ترحيب

إِذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى ... وديُنك موفوراً وعْرِضُكَ صينُ

فلا ينطقنْ منكَ اللسانُ بَسوْأةٍ ... فكلك سَوْءاتٌ وللناسِ أعينُ

وعينُكَ إِن أبدتْ إِليك معايباً ... فصُنْها وقُلْ يا عينُ للناسِ أعينُ

وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى ... ودافعْ ولكن بالتي هي أَحْسَنُ

الشافعي


الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

المقدمة -



                                                                  
كتاب الفوائد للشريف مالك

تاريخ . أدب . دين
 بحث في الروحانيات وما وراء المادة
 
تأليف
الشريف/ مالك الأمين أحمد البدوى

تحقيق
الشريف /الباقر مالك الأمين أحمد البدوى



الفهرس

الفصل
الموضوع
الصفحة

الاهداء  
1

مقدمة التحقيق
الشكر والتقدير
2
ترجمة المؤلف
5
أهمية التصوف
8
الفصل الاول  
الشخصيات الاسلامية
-

سيدي محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم
15
الامام جعفر الصادق
19
أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
23
الامام أحمد بن حنبل
26
سعيد بن المسيب
27
الامام مالك رضي الله تعالي عنه
29
البخاري رضي الله عنه أمام علم الحديث
30
عبد الله بن المبارك
32
أبو القاسم السهيلي
33
الأمام سفيان الثوري
34
الفصل الثانى: 
الفوائد الدينية والعلمية والأدبية


القرآن الكريم
38
الروح
44
الجن
56
الملائكة
73


الفصل الثالث:
الفوائد المأخوذة من الآحاديث الشريفة والحكم المأثورة



الصلاة
85
الصدقة
89
سيدنا الخضر عليه السلام
95
الاستغفار
96
الدعاء
98
الصلاة والسلام على سيد النام
100
الفوائد المأخوذة من الحكم المأثورة
102
الفصل الرابع
الفوائد المختلفة


العقل وفضله والجهل وقبحه
116
الدين والمال والحياء وحسن الخلق
117
الشفقة على خلق الله
119
العفو والحلم والصفح وكظم الغيظ
127
حسن المعاشرة
130

مناقب الصالحين وكرامات الأولياء
134

ذكر النساء
137
الخاتمة

154







اهداء

الى الرجل الصالح الذى عايشته فلم أعرف عنه غير الدين والصلاح ولم أجد منه غير الاصلاح والرعاية.

الى مقامكم الأسمى يا والدى أرفع هذا العمل راجيا من الله أن ينيلنى رضاكم وأن يهبكم خير عقبى الدار.







                                                                         ابنكم

الباقر مالك الامين



مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، الذى جعل الإخلاص منار المتقين، وأسكنه القلوب الصادقة لتكون ينبوعاً للخير العظيم، ومنهجا للسالكين، ليأخذ بأيديهم إِلى الغاية المثلى والطريق القويم.
وأشهد أن لا إله إلا الله، الواحد المعبود، المنزه عن الوالد والمولود، القائل فى محكم كتابه العظيم (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )[1].
    وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، النبى الأمى الأمين، ومنهاج الوصول إلى رب العالمين، وإمام المتقين السالكين، بسنته وهديه، وعلى آله الطبيبين الطاهرين، وصحبه الكرام المهتدين.
وبعد:
    هذا كتاب الفوائد للشريف مالك، حيث يطيب لكل مؤمن أن يتذوق من معينه لأن فيه ما يأنس به قلبه ويهدأ روعه ويسعد فؤاده، ولا بد لكل حاذق متذوق ولبيب متفوق أن يتوق لمثل هذه الفوائد.
        كتاب الفوائد، هو الإرث الذى إختار أن يتركه الأب لأبنائه والأخ لأخوانه والمرشد لطلاب العلم و المعرفة، وهو بالنسبة لنا يمثل إرثاً حقيقياً: بذور معرفة كانت لنا بمثابة أداة مكنتنا من الوصول سلامنا الداخلى، لأن كنوز الدنيا كلها مجتمعة، لن تحمل إِلينا إحساساً بالسعادة كما حملها إلينا هذا الكتاب، وعقدت العزم أن أقوم بجهدى بتحقيق يخرج هذه الفوائد للأخوان،  وحملنى على توسيع دائرة الغرض من الكلام أولاً بذكر ترجمة لوالدى، والأمر الآخر العمل بوصيته لى بالأثر القائل (خير جليس الزمان كتاب)، جلست ودراسته راجعاً بذاكرتى لإرشادات والدى وشرحه لى بأسلوبه الفريد للكثير من النقاط التى أوردها خاصة فيما يتعلق بالماورائيات وأنا فى مسيرة حياتى لم أترك المطالعة والعمل  بفوائد كتاب الفوائد لأنها حاوية وشاملة لجميع مناحى الحياة الدنيا والأخرى التى تجعلك تسير على الطريق المستقيم.
    و لا أذيع سراً إن قلت أن (كتاب الفوائد) قد ألفه الوالد بإشراف وتوجيه وإرشاد شيخه وأستاذه الشريف محمد الامين الخاتم  .
    تم طباعة هذا الكتاب بالإِعتماد على النسخة المطبوعة فى العام 1959م تحت اسم (كتاب الفوائد للشريف مالك / تاريخ.أدب.دين/ بحث في الروحانيات وما وراء المادة)، وكتاب الفوائد من الكتب الصحيحة المعروفة للشريف مالك لذلك لم نبحث نسبة الكتاب.
وكتاب الفوائد يحتوي علي كثير من الفوائد فهي ليست خاصة بموضوع محدد كالتوحيد، أو العبادات مثلًا، بل هي شاملة لهذا ولغيره من الأحوال التي يتقلب فيها العباد، سواء كانت تاريخية أوادبية من تراجم بعض الرجال العباقرة والأفذاذ أو غير ذلك من المآثر الحميدة ونبذه تصور مدي كيد النساء ومكرهن أو الفوائد الدينية والعلمية التي تتضمن فضائل وخواص بعض سور وأيات القرآن الكريم كما يحتوي علي حديث شامل عن الروح وماهيتها مع ذكر غرائب عن حقيقة الجن والملائكة وشرح وتعليق عن الروحانيات وما وراء المادة، والأحاديث الشريفة والحكم المأثورة، بل لا أبالغ إذا قلتُ في كتاب لم يدع مجالًا إلا طرقه ولا موضوعاً إلا ذكره.

عملى فى الكتاب
أولاً: حرصت بقدر الطاقة على تنقية النص من الخطأ، حيث وجدت الكثير من الكلمات والألفاظ غير الواضحة أو المطموسة، والتى لم يكن من السهل توضيحها وفهمها.
ثانياً: خرجّت جميع الأحاديث والآثار، تخريجاً وافياً، وضبطت نص الحديث استناداً إِلى كتب الحديث المعتبرة.
ثالثاً: خرجّت جميع الآيات القرآنية الكريمة.
رابعاً: بذلت ما أمكننى من الجهد فى شرح المصطلحات الصوفية.
خامساً: وضعت فى حواشى الكتاب تعريفاً وافياً – مع ذكر المراجع – بالاعلام الواردة فى المتن، وما أهملناه من ذلك إِما معروف مشهور، ولم نجد ضرورة لنافل القول فيه.
سادساً: شرحت فى حواشى الكتاب ما فى متنه من غريب اللغة أو صعب المتناول منها، وذلك إِستناداً إِلى المعاجم اللغوية المشهورة.
سابعاً: أضفت إلى الكتاب ترجمة للمؤلف الشريف مالك.
ثامناً: أضفت إلى الكتاب مبحث عن أهمية التصوف.
   راجى بذلك عفواً من الرحمن وقبولاً من الديان وبركة من المنان. كما أسأل الله تعالى أن يجعل ذلك ذخراً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وينفع به كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتجلى علينا بسر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وببركة الشريف مالك صاحب الكتاب ومشايخنا فجزاهم الله عنا كل خير وأرضاهم ويوفقنا جميعا للعمل على نشر العلم والدعوة والخير.
                                                                                         المحقق
الباقر مالك الأمين




 
كلمة شكر

لابد لنا من توجيه الشكر والامتنان لكل من آزرنى أو ساعدنى فى هذا لعمل سواء باسداء نصيحة أو باشارة مفيدة دعماً ودفعاً لهذا العمل الطيب. داعياً لمولى سبحانه وتعالى أن يطيب قلوبهم ويجازيهم أحسن جزاء (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)،  والحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.



ترجمة المؤلف  الشريف مالك الامين

هو مالك بن الأمين بن أحمد البدوى بن مالك محمد بن أبى بكر بن الشريف سليمان الملقب ب(أبوريش)[2] بن محمد بن أكمل بن كمال الدين بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر بن صالح بن موسى بن يحى بن محمد بن السيد على الهادى الملقب ب(العسكرى) بن محمد (الجواد) بن السيد على الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه .  
    ومن ناحية والدته ينتهى نسبه للشريف ثاقب (أشراف الترايا) كما يلى: هى زينب بنت الشريف طه بن الشوبلى بن احمد بن الشريف يعقوب بن الشوبلى بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن على (الكرار) بن محمد(ابوالقاسم) بن على بن حج بن مقابس بن ثاقب (وهو الذى دعاه ملك سنار) بن بركات بن غالب (الذى حارب البرتغاليين فى جدة) بن عبد المطلب بن هاشم بن الحسن بن بساط بن عبد مناف بن عجلان بن عبد المطلب بن الحسن المثنى بن السيد الحسن السبط بن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه .
الميلاد والنشأة:
     ولد رحمه الله بمدينة القضارف عام 1915م. الموافق 1337 هـ ، ونشأ في بيت متواضع محبا للعلم ولأهله، فقرأ القرآن الكريم ترتيلا وإتقانا وهو قريب العاشرة من عمره في خلوة الفكى عبدالرحمن حسين ثم مدرسة القضارف الاميرية، و حُبب إليه العلم، وعكف على الاغتراف من بحور العلم فحفظ عددا من المتون في مختلف العلوم الشرعية.
      أرتحل لمدينة رفاعة لطلب العلم فى المدارس الحكومية الحديثة برفقة شقيقه الأكبر عثمان، ولهما في ذلك رحلات عديدة لاقيا فيها المشاق والمصاعب غير أنهما كانا لا يأبها لها. وساعده ذكاؤه وحافظته، ثم رحل إلى الخرطوم لطلب العلم فى كلية غردون وتخرج فيها حوالي سنة 1935م .
        ورحل بعدها إلى مدينة كسلا لظروف العمل حيث عمل موظفا برئاسة المديرية واتصل السيد الحسن الميرغنى، وحصلت بينهما صداقة ومودة، وكانت تربطه علاقة أخوة بالشيخ عبد الله العركى بكسلا، وظل ملازما الكتب مطالعًا منقبًا بين الأسفار الخطية مغترفًا من مناهلها فبقي في كسلا مدة من الزمن.
    عاد إلى القضارف موظفا وعمل بمجلس قلع النحل وجنوب القضارف وبعدها ترك الخدمة وعمل بالتجارة  و توجه إلى كركوج فاستقبله محدثها الشريف محمد الامين الخاتم بالترحاب، ثم سكن في مدينة السوكى وعمل بالتجارة والتأليف ورحل بعدها الى مدينة شندى وعاد للخدمة المدنية بمركز التنمية الاجتماعية واستقر بشندى  وتعرف على علمائها واستفادوا منه وشهدوا له بالفضل وأقروا بعلمه .
شيوخه:
     سلك الطريقة السمانية على يد الشريف محمد الامين عن ابيه الشريف محمد الخاتم عن الشيخ القرشى ودالزين عن الشيخ أحمدالطيب البشير عن الشيخ محمد عبدالكريم (السمان) عن الشيخ محمد طاهر عن الشيخ عقيل عن الشيخ محمد صادق عن الشيخ محمد قاسم عن الشيخ عائد عن الشيخ الهداد عن الشيخ قريب الله عن الشيخ عبدالقادر الجيلانى.
أخلاقه وصفاته:
    كان الشريف مالك رحمه الله، شديد الورع، متواضع، صاحب عبادة، كثير الذكر، يشتغل بالعلم والذكر معا، زاهد طيب السريرة، شفوق على الفقراء والمساكين، كثير البر والإحسان، لا تكاد تجد له لحظة إلا وهو يشغلها بقراءة أو ذكر أو وعظ وإرشاد، عارف بالله، متمسّك بالكتاب والسنة، حاضر الذهن، حكيم يضع الأمور في مواضعها.
     كان كريم النفس بالمعنى الواسع لكلمة كرم؛ من سموٍّ ونبل وعطاءٍ وسخاءٍ إلى آخر ما من هذا. فلم أقف على ما يحط من قدره من خساسة طبع أو دناءة نفس أو تقتير أو كذب أو اتهام في عقيدة أو ما إلى هذا.
    أما سخاء الشريف مالك وعطاؤه خاصة لأسرته , و كان يقطع إقامته فى البلد الذى هو فيه خاصة بشندى ويعود إلى أهله في القضارف ويُقيم بينهم أياما. وذلك امتثالا لقوله تعالى:(وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[3]
    ابتدأ الله تعالى سورة النساء بهذه الآية التى تأمر بصلة الارحام وجعل هذه الصلة من علامات التقوى ، فكانت اشارة قوية تدل على أهمية هذه العلاقات الاجتماعية التي تميز المجتمع الاسلامي وولدت في عروقه الدفء والمودة والتماسك ، فكان هذا المجتمع محققا من ضمن ما حقق من احكام شرعية قوله صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)[4].
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي  صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُالله)[5] .
علومه:
شرع رحمه الله ورضي عنه بالتأليف مبكرًا  فجمع بين التعلم والتعليم في آن واحد، له معرفة بتراجم رجال الحديث وطبقاتهم وحفظ المتون والتبحر في علوم السنة واللغة والتفسير والفرائض وغير ذلك حتى إنه لم يترك علمًا من العلوم الإسلامية المعروفة إلا درسه. وربما تكلم في علم فيظن سامعه أنه اقتصر عليه في الإحكام وكذا سائر العلوم على أنه إذا حُدّث بما يعرف أنصت إنصات المستفيد فهو كما قال الشاعر:
                       وتراه يصغي للحديث بسمعه * وبقلبه ولعله أدرى به
 ومؤلفه  كتاب الفوائد للشريف مالك : تاريخ - أدب . دين، بحث في الروحانيات وما وراء المادة - (طُبع بمطبعة بمصر 1959م(.
أبناء مالك الامين أحمدالبدوى:
تزوج من كسلا(أ) فاطمة محمد احمد جودة وأمها حسونة بت ديشاب   وانجبا: أحمدعبد الله - نصر الدين - عبدالسلام - الشفيع – نفيسة - عصمات - عبلة - ليلى
(ب) تزوج من: سعدية حسين وامها فطمة بنت طفار وانجبا: عبد اللطيف و ابراهيم
 (ج) تزوج بالقضارف من حليمة محمود محمد ابراهيم العركى وامها الحكم بنت الحسين وانجبا: الباقر - الصادق - بثينة - سيدة - فايقة - احسان
 (د) تزوج من قرية مويس ريفى شندى من سعاد محمد (الفدوساب) لم ترزق بذرية.
 وفاته:
     فى الساعة الثالثة عصر يوم الخميس التاسع من شهر مايو عام 1974م توفي رحمه الله وقبر بشندى عن 59 عاما في الجنان مقامه.
    هذا وقد أقيمت صلاة الغائب ومجالس العزاء على العلامة الشريف رحمه الله في عدد كبير من المساجد والمصليات نذكر منها مسجد الشيخ البشير بشمبات.

          أهمية التصوف
      نحمدك اللهم أن وفقتنا سواء السبيل، فأنت نعم المولى ونعم النصير، ونصلي ونسلم على حبيبك الأعظم المبعوث رحمة للعالمين، ومنقذاً للإنسانية، وهادياً للبشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة المثلى والأسوة الحسنة، وعلى آله وصحبه وبعد:  
فلقد مني الإسلام منذ إنبثاق فجره بخصوم ألداء، حاولوا تهديم أركانه، وتقويض بنيانه، بشتى الأساليب ومختلف الوسائل. ونحن اليوم نعاني موجات إلحادية، وتيارات إباحية، ترد إلينا من الشرق والغرب، تضلل شبابنا، وتفسد أجيالنا، وتهدد مستقبلنا الفكري العقائدي بمصير أسود قاتم، وتنذر أمتنا بتدهور خطير، وشر مستطير، ولا يسعنا في هذا الجو المائج بالصراع الفكري، إلا أن نعتصم بحبل الله المتين، وننبذ الخلافات الفرعية الاجتهادية ونربط القلوب بالله تعالى، لنستمد منه القوة والطمأنينة والعزة والكرامة.
    وإذا كانت مهمة دعاة الإسلام المخلصين أن يعيدوا لهذا الدين روحه، وأن يفتحوا له مغاليق القلوب، فما قصد الصوفية في كل عصر وزمان إلا العودة بالمسلمين إلى ظلال الأنس بالله تعالى، ونعيم مناجاته، وسعادة قربه، بإرجاع روحانية الإسلام إليه.
      لهذا الذي ذكرت، أتناول  أهمية التصوف، دفاعاً عنه، وتمييزاً للبه من قشره، ولحقائقه مما علق به، وإظهارًا للحق، ودمغاً للباطل، مستنداً إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الأئمة رضي الله عنهم، وأتباعهم من أعلام الفقهاء، والأصوليين والمحدثين، وأئمة الصوفية، ورجال الفكر الذين خدموا الإسلام خدمات حسنة.
    إن التكاليف الشرعية التي أمر الإنسان في خاصة نفسه ترجع إلى قسمين: أحكام تتعلق بالأعمال الظاهرة، وأحكام تتعلق بالأعمال الباطنة، أو بعبارة أخرى: أحكام تتعلق ببدن الإنسان وجسمه، وأعمال تتعلق بقلبه.
فالأعمال الجسمية نوعان: أوامر ونواهٍ ؛ فالأوامر الإلهية هي: كالصلاة والزكاة والحج...  وأما النواهي فهي:  كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر... وأما الأعمال القلبية فهي أيضاً: أوامر ونواهٍ ؛ أما الأوامر: فكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله... وكالإخلاص والرضا والصدق والخشوع والتوكل...  وأما النواهي: فكالكفر والنفاق والكبر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد.  وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الأول عند الشارع - وإن كان الكل مهماً - لأن الباطن أساس الظاهر ومصدره، وأعماله مبدأ أعمال الظاهر، ففي فساده إخلال بقيمة الأعمال الظاهرة، وفي ذلك قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ً)[6].
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة لإصلاح قلوبهم، ويبين لهم أن صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية والعلل الكامنة، وهو الذي يقول: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ)[7].
   كما كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم أن محل نظر الله إلى عباده إنما هو القلب: (إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ ولا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ)[8] ، فما دام صلاح الإنسان مربوطاً بصلاح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة، تعين عليه العمل على إصلاحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهى الله عنها، وتحليته بالصفات الحسنة التي أمرنا الله بها، وعندئذٍ يكون القلب سليماً صحيحاً، ويكون صاحبه من الفائزين الناجين (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[9].
قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله: (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب والرياء ونحوها، فقال الغزالي: ( فرض عين)[10] فتنقية القلب، وذيب النفس، من أهم الفرائض العينية وأوجب الأوامر الإلهية، بدليل ما ورد في الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
القرآن الكريم:
١-  قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[11].
٢- وقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[12].
والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي: الحقد والرياء والحسد والنفاق...
السنة النبوية الشريفة:
١-  كل الأحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد...  وأيضاً الأحاديث الآمرة بالتحلي بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة فلتراجع في مواضعها.
 ٢-  والحديث: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)[13]، فكمال الإيمان بكمال هذه الشعب والتحلي، وزيادته بزيادة هذه الصفات، ونقصه بنقصها، وإن الأمراض الباطنة كافية لإحباط أعمال الإنسان، ولو كانت كثيرة.
أقوال العلماء:
لقد عد العلماء الأمراض القلبية من الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة، قال صاحب جوهرة التوحيد: (وأمر بعرفٍ واجتنب نميمةْ وغيبةً وخصلةً ذميمةْ كالعجب والكبرِ وداء الحسدِ وكالمراءِ والجدلْ فاعتمدِ يقول شارحها عند قوله - وخصلة ذميمة -: أي واجتنب كل خصلة ذميمة شرعاً، وإنما خص المصنف ما ذكره؛ يعد اهتماماً بعيوب النفس، فإن بقاءها مع إصلاح الظاهر كلبس ثياب حسنة على جسم ملطَّخ بالقاذورات، ويكون أيضاً كالعجب وهو رؤية العبادة واستعظامها، كما يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه، فهذا حرام، وكذلك الرياء فهو حرام.  ومثل العجب الظلم والبغي والكبر وداء الحسد والمراء والجدل )[14].
ويقول الفقيه الكبير العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علم الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرض عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس، كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة، والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الأمل، ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من "الإحياء". قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجاً إليه. وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها، فإن من لا يعرف الشر يقع فيه)[15].
ويقول صاحب "الهدية العلائية": (وقد تظاهرت نصوص الشرع والإجماع على تحريم الحسد، واحتقار المسلمين، وإرادة المكروه لهم، والكبر والعجب والرياء والنفاق، وجملة الخبائث من أعمال القلوب، بل السمع والبصر والفؤاد، كل ذلك كان عنه مسؤولاً، مما يدخل تحت الاختيار)[16] .
 ويقول صاحب "مراقي الفلاح": (لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة، بالإخلاص، والتراهة عن الغلِّ والغش والحقد والحسد، وتطهير القلب عما سوى الله من الكونين، فيعبده لذاته لا لعلة، مفتقراً إليه، وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه المضطر عطفاً عليه، فتكون عبداً فرداً للمالك الأحد الفرد، لا يسترقك شيء من الأشياء سواه، ولا يستملك هواك عن خدمتك إياه.
قال الحسن البصري رحمه الله: رب مستورٍ سبته شهوته صاحب الشهوةِ عبد فإذا قد عري من ستره وانهتكَا، ملَك الشهوة أضحى ملِكا، فإذا أخلص لله، وبما كلفه به وارتضاه، قام فأداه، حفَّته العناية حيثما توجه وتيمم، وعلَّمه ما لم يكن يعلم.
قال الطحاوي في "الحاشية"(( دليله قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلِّمكم الله)[17] ))[18].
    فكما لا يحسن بالمرء أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالأقذار والأدران، لا يليق به أن يترك قلبه مريضاً بالعلل الخفية، وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى: تطَبب جسمك الفاني ليبقى وتترك قلبك الباقي مريضاً لأن الأمراض القلبية سبب بعد العبد عن الله تعالى، وبعده عن جنته الخالدة ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقا ُ ل ذرة مِن كبر)[19].
   وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه، ونجاته في نجاته من أمراضه المذكورة.
    وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه، وتدق عليه علل قلبه، فيعتقد في نفسه الكمال، وهو أبعد ما يكون عنه، فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه، والتعرف على دقائق علل قلبه ؟ وما الطريق العملي إلى معالجة هذه الأمراض، والتخلص منها ؟
إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية، وتزكية النفس والتخلص من صفاا الناقصة.
 قال ابن زكوان في فائدة التصوف وأهميته: علم به تصفيُة البواطن مِن كدرات النفس في المواطن قال العلامة المنجوري في شرح هذا البيت: (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس، أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء، لأن علم التصوف يطلع على العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يتوصل إلى قطع عقبات النفس والتتره عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله سبحانه  وتعالى)[20] .
أما تحلية النفس بالصفات الكاملة؛ كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق والإخلاص والزهد والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة والذكر والمراقبة...  فللصوفية بذلك الحظ الأوفر من الوراثة النبوية، في العلم والعمل.
قد رفضوا الآثام والعيوبا
وبلغوا حقيقة الإيمان
وطهروا الأبدانَ والقلوبا
وانتهجوا مناهج الإحسان[21]
فالتصوف هو الذي اهتم ذا الجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية والمالية، ورسم الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات الكمال الإيماني والخُلقي، وليسكما يظن بعض الناس - قراءةَ أوراد وحِلَق أذكار فحسب، فلقد غاب عن أذهان الكثيرين، أن التصوف منهج عملي كامل، يحقق انقلاب الإنسان من شخصية منحرفة إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة، وذلك من الناحية الإيمانية السليمة، والعبادة الخالصة، والمعاملة الصحيحة الحسنة، والأخلاق الفاضلة.
    ومن هنا تظهر أهمية التصوف وفائدته، ويتجلى لنا بوضوح، أنه روح الإسلام وقلبه النابض، إذ ليس هذا الدين أعمالاً ظاهرية وأموراً شكلية فحسب لا روح فيها ولا حياة.
   وما وصل المسلمون إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره، ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره.
     لهذا نرى العلماء العاملين، والمرشدين الغيورين، ينصحون الناس بالدخول مع الصوفية والتزام صحبتهم، كي يجمعوا بين جسم الإسلام وروحه، وليتذوقوا معاني الصفاء القلبي والسمو الخلقي، وليتحققوا بالتعرف على الله تعالى المعرفة اليقينية، فيتحلوا بحبه ومراقبته ودوام ذكره.
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي بعد أن اختبر طريق التصوف، ولمس نتائجه، وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)[22].
وقال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: (من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصراً على الكبائر وهو لا يشعر). وفي هذا القول يقول ابن علاَّن الصديقي )ولقد صدق فيما قال - يعني أبا الحسن الشاذلي -  فأي شخص يا أخي يصوم ولا يعجب بصومه؟ وأي شخص يصلي ولا يعجب بصلاته ؟ وهكذا  سائر الطاعات)[23].
    ولما كان هذا الطريق صعب المسالك على النفوس الناقصة، فعلى الإنسان أن يجتازه بعزم وصبر ومجاهدة حتى ينقذ نفسه من بعد الله وغضبه.
قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: (عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين. وكلما استوحشت من تفردك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم ، وغض الطرف عن سواهم، فإن لن يغنوا عنك من الله تعالى شيئاً، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك)[24] .
   لقد أدرك العلماء عبر العصور بريق التصوف الحقيقى وميزوه من الكاذب فسالت عصارة فكرهم فى مدحه واللهج بذكره، بعضهم فى عبارات تسمّيه باسمه وبعضهم بما يشف فيها مدح التصوف ولنر بعضا من قوالهم:
الامام مالك بن أنس، قال: (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق)[25] .
   عن الامام أحمد بن حنبل، قال عن الصوفية: (لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل له: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة)[26]. وكان الإِمام أحمد بن حنبل قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله: (يا ولدي عليك بالحديث، وإِياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإِنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه. فلمَّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فِإِنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة)[27]
وهذا هو الأمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول:( أصول طريق التصوف خمسة:  تقوى الله في السر والعلانية، إتباع السنة في الأقوال والأفعال، الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله في السراء والضراء )[28].
      فهذا هو سلطان الأولياء والعارفين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يقول: (كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة  طر إلى الحق عزَّوجلَّ بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية ..  ويقول كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل)[29].
    وتحدث الأمام أحمد ابن تيمية رحمة الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذا كثير من كلامهم )[30].
    وهذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول: (ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق )[31] .
     لم يكن التصوف خروجا عن الشريعة ولا انتهاكا لمحارمها بل هو رافد لها، ملتزم بما أمرته، محل لحلالها ومحرّم لحرامها، لكنه يضيف إليها ما نسميه اليوم بالحيوية، فهو كالروح من الجسد، فاذا ما أشرق نور الصوف فى قلب عبد برق الاخلاص فى العمل، وتعلق القلب بالخالق، وأشرأبت الروح للوصول إلى عالمها الصافى الأول فتلونت بألوان الوجد إلى ذلك العالم لقربه من خالقه، وتسلحت بروح الرجاء والخوف فى عزلتها عن الخلق ورتباطها بالحق، زهدت وورعت وأتّقت فذاقت الأنس وعرفت الحق فأغرقت فى الفناء.
     وفي هذا القدر كفاية لمن أراد أن يعرف أهمية التصوف والصوفية . فإن كان هذا هو التصوف فأي علم اشرف من هذا العلم والله أعلم .

مقدمة المؤلف

إن الأمر الذي دعاني الي نشر هذا الكتاب ( أولاً) هو أني كنت مولعاً بالاطلاع علي الكتب النادرة مثل المراجع التي ذكرتها في زيل هذا الكتاب وغيرها من الكتب النفيسة ولما كانت هذه الكتب تحتوي علي كثير من الفوائد الدينية والثروة الادبية المأخوذة من القرآن الكريم والحديث الشريف كما تحتوي أيضاً علي الاخبار الغربية المدونة في كتب الادب والتاريخ، بدأت في جمع وتدوين كل فائدة سواء كانت تاريخية أو غربية أدبية أو سيرة مرضية سواء كانت من تراجم بعض الرجال العباقرة والأفذاذ أو غير ذلك من المآثر الحميدة بعد أن نقحتها وأدخلت عليها بعض التعديلات حسب مقتضيات الظروف والاحوال، (ثانياً) لما كانت أيضاً تلك الثورة من الفوائد الدينية والنبذ التاريخية مخزونة تحت طيات تلك المراجع التي قد يجهلها كثير من القراء بل ويسميها العدد الكثير من أبناء هذا الجيل بالكتب العتيقة (الصفراء) التي أصبحت مهجورة وغير مرغوب في إقتنائها أو الاطلاع عليها مع ما تحتويه من طرائف أردت جمعها بعد تنقيحها وطبعها ونشرها في ورق أبيض ناصع يكون من السهل أن يتناوله كل شاب لأن بعض شبابنا أصبح يتعفف من أن تلمس يده هذه المراجع لجهلهم ما فيها وقد قيل "من جهل شيئاً عاداه"
          وأكون بفعلي هذا علي الأقل قد قدمت أو بعبارة أصح أحييت لأبناء هذا الجيل فوائد يرجع الفضل فيها إلى المتقدمين الذين أتاحت لهم أزمانهم فرصة البحث الدقيق في شتى العلوم والفنون وذلك أسوة بمن سبقوني من أهل هذا الشأن مع أنه لكل مؤلف أسلوبه الخاص في النشر أو التأليف .
قد تم ترتيب هذا الكتاب علي النحو الذي سيجده القارئ والذى يتلخص فى الآتي :-
1. الفصل الأول : يحتوي على الفوائد التاريخية التى ذكرت فيها ترجمة بعض الرجال العباقرة والأفذاذ مع مراعاة بعض الترتيب إلى أزمانهم لأن مقصدى هو ذكر ما يمتاز به كل واحد منهم وما يليق به من مكرمة أو صفة نادرة ينفرد بها عن سواه كى يستفيد منها القارئ .
2. الفصل الثاني : ويحتوى علي الفوائد الدينية والعلمية والأدبية التي أوردت فيها فضائل وخواص بعض سور وآيات القرآن الكريم كما يحتوى علي حديث شامل عن الروح وماهيتها مع ذكر غرائب عن حقيقة الجن والملائكة وشرح وتعليق عن الروحانيات وما وراء المادة.
3. الفصل الثالث : ويحتوي علي الفوائد المأخوذة من الاحاديث الشريفة والحكم المأثورة .
4. الفصل الرابع : ويحتوي علي فوئد مختلفة جامعة لشتى الفنون ونبذه تصور مدى كيد النساء ومكرهن وأخيراً ختمته بترجمة لبعض صالحات النساء .
          وقد أخترت لهذا الكتاب أسم " الفوائد " والله أرجوه أن يوفقني ويهديني الي الصراط  المستقيم .


[1] سورة البقرة 152
[2] الشريف سليمان(أبو ريش) أحد الاشراف المشهورين  بالاشراف السبعة الذى إستقر بمنطقة بيلا بالقرب من قلع النحل الحالية بولاية القضارف منذ قدومه لأرض السودان فى حوالى 1580م.  وظل يعمل فى نشر القرآن وعلومه فى تلك البقعة وأنجب ذرية  يتفرع منها الاشراف المعروفين ب ( أولاد مشيلعيب ) هو الللقب المميز لمجموعة من الاشراف بمدينة وقرى القضارف ، ويرجع تكوين هذا البيت لجدهم الشريف مالك المعروف بصائم ديمة.

[3] سورة النساء الآية :1.
[4] أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير.
[5] أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين.
[6] سورة الكهف: الآية ١١٠.
[7] رواه البخاري في كتاب الإيمان. ومسلم في كتاب المساقاة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما..
[8] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[9] سورة الشعراء: الآية 88-89.
[10] الأشباه والنظائر" للسيوطي ص ٥٠٤.
[11] سورةالأعراف الآية: ٣٣.
[12] سورة ا لأنعام الآية: ١٥١.
[13] أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما في كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[14] شرح الجوهرة" للباجوري ص ١٢٠ ١٢٢ توفي سنة ١٢٧٧ ه. -
[15]حاشية ابن عابدين" المسماة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، . ج ١/ص ٣١ .
[16] الهدية . العلائية" علاء الدين عابدين ص ٣١٥.
[17] سورة البقرة الآية: ٢٨٢.
[18]  ] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح   -  ص   ٧١-٧٠ [.
[19] رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[20] النصرة النبوية" للشيخ مصطفى إسماعيل المدني على هامش شرح الرائية للفاسي ص ٢٦.
[21] الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية"للعلامة ابن عجيبة على هامش شرح الحكم لابن  عجيبة ج ١/ص ١٠٥.
[22] النصرة  النبوية" على هامش شرح الرائية للفاسي ص ٢٦.
[23] إيقاظ الهمم في شرح الحكم" لابن عجيبة ص ٧.
[24] المنن . الكبرى ج ١/ص ٤ –اعبد الوهاب الشعراني.
[25] حاشية العلامة العدوي على شرح الإمام الزرقاني على متن العزية في الفقه المالكي، ج3 ص195.
[26] تنوير القلوب، ص405. -: الشيخ أمين الكردي.
[27] النظام الخاص لأهل الاختصاص، ص20. - أحمد الرفاعي.
[28] كتاب مقاصد الإمام النووي والتوحيد والعبادات وأصول التصوف ص 20.
[29] الفتح الرباني ص 179 – الشيخ عبد القادر الجيلانى.
[30] من مجموع تافتاوي الجزء العاشر – ابن تيمية
[31] كتابه المنقذ من الضلال صفحة 49 – الامام ابو حامد الغزالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق