مدونة كتاب الفوائد : الخاتمة

خاتمة

يسرنى ويسعدنى أن أختم كتابى هذا بسيرة السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين كما بدأته بسيرة والدها سيدى محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آل بيته أفضل الصلاة والسلام.

السيدة فاطمة الزهراء (رضى الله عنها) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

مولدها، ولدت فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمنا السيدة خديجة الكبرى رضى الله عنها قبل أن تبنى الكعبة بخمس سنين والنبى صلوات الله عليه ابن خمس وثلاثين سنة أى قبل الهجرة المباركة بسبعة عشر عاما وكانت أصغر بناته وأحبهن اليه.

كانت فاطمة سيدة النساء مباركة ذات خلق حسن وخلق أحسن تربت تربية عالية فى دار النبوة فنشأت نشأة صالحة وأنبتها الله نباتا حسنا (أصلها ثابت وفرعها فى السماء) فكانت ولا فخر خير النساء وسميت فاطمة لأن الله فطمها وحفظها من النار.

زواجها: تزوجت السيدة فاطمة الزهراء من الامام على (ابن عم النبى) فى شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وبنى بها فى ذى الحجة من نفس السنة، ولقد كانت سيدة النساء وقتئذ فى أزهى الحياة فى التاسعة عشر من عمرها، أما الامام على فقد كان يبلغ الحادية والعشرين وكلاهما شخصيتان بازرتان يحيط بهما جلال الايمان ونور الهدى متكافئان متعادلان من كل الوجوه مناسب أحدهما للآخر كل المناسبة، وكلاهما عالى الفكر رقيق الحس حميد الخلق صبيح الوجه فكلاهما زوجان متصفان بالمعالى مشهوران بالمحامد فهما فوق ذلك خيار من خيار.

زفافها: بعد أن تم جهازها دعا الرسول صلى الله عليه وسلم جمعا غفيرا من الانصار ثم خطبهم خطبة بليغة وهى:

الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته المطاع سلطانه المهروب اليه من عذابه النافذ أمره فى أرضه وسمائه، الذى خلق الخلق بقدرته وميزهم باحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ان الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا وامرا مفترضا وحكما عدلا وخيرا جامعا وشجع به الارحام والزمها الانام فقال عز وجل وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا وامر الله تعالى يجرى الى قضائه وقضاؤه يجرى الى قدره ولكل قضاء قدرا ولكل قدر اجل ولكل اجل كتاب (يمحو الله مايشاء وبثيت وعنده ام الكتاب)، ثم ان الله تعالى امرنى ان ازوج فاطمه من على واشهدكم انى زوجت فاطمة من على على اربعمائة مثقال فضه ان رضى بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة

ثم دعا لهما بعد ذلك بحسن المعاشرة وبالذرية الصالحة وعندما تم عقد الزواج على هذا الوجه البسيط احضر الرسول للحاضرين من الانصار وعاءا فيه تمرا وقدمه اليهم بقوله تخاطفوا .

هكذا تم زفاف سيدة النساء وابنة سيد المرسلين وفخر الكائنات بلا ضجيج ولا ضوضاء ولكنه بالسرور الذى ملأ القلوب وكل الأرجاء بالهناء والصفاء.

وبعد أن تفرق المدعون طلب صلى الله عليه وسلم أم سلمة وأمرها بأن تذهب بكريمته الى دار على وبأن تخبرها انه آت اليهما عن قريب فنفذت أمره وسارت بسيدة النساء الى دار زوجها أما الرسول فقد صلى صلاة العشاء وذهب الى دار على وفى يده قربة من الجلد تستعمل لسقى الماء وعند وصوله دار صهره قرأ عليها سورتى المعوذتيتن وبعضا من الادعية وأمرهما بأن يشربا ويتوضآ من الاناء ثم أخذ قليلا منه ونثره على رأسسيهما وعندما أراد مفارقتهما وهم بالانصاف كانت فاطمة رضى الله عنها تبكى فخاطبها بما معناه (أى بنتى قد تركتك وديعة عند رجل ايمانه أقوى من ايمان اى انسان آخر وعلمه أكثر من علم الجميع انه أفضل قومنا أخلاقا وأعلاهم نفسا)

أحب الامام على زوجته سيدة النساء وعاشا عيشة راضية ورزقت منه خمسة أولاد ثلاثة ذكور وهم الحسن والحسين ومحسن وبنتان أم كلثوم وزينب وقد مات محسن صغيرا.

مناقبها: كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها ذات عقل ودرايه عاليه النفس تجيد الشعر وتعرف مسائل الفقه والشريعة ولعا المام بالتاريخ ولم تغتر ابدا لعلو منزلتها في الاسلام .

وكانت سلسلة القياد حلوة اللسان تحب معونة الفقراء كزوجها الامام علي .

رويت عنها احاديث نبوية كثيرة ونظمت قصائد ذات ابيات عامرة واظهرت دراية ومهارة في كثير من المعضلات، كانت السيدة فاطمة تشابة اباها في كلامها وتحاكيه في مشيها محاكاة تامه تثير الدهشة .

اما محبتـها لوالدها فكانت محبة خارقة للعادة من اعماق القلب والروح .

روى ان فاطمة الزهراء أعطت جارية لها صدقة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم وقالت لها امضي الي السوق بها وقولي من يقبل صدقة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فمن قبلها فاتيني به فمضت الجارية الي السوق وقالت: من يقبل صدقة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رجل مغربي انا موضع صدقة آل بيت رسول الله فاعطته الصدقة وقالت له اجب بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لها نعم فلما بلغ الباب سألته من انت ؟ فقال لها انا رجل مغربي فقات له من اي المغرب فقال من البربر فبكت فاطمة وقالت لي والدى رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لكل نبي حواري وحواري ذريتي البربر سيتقل الحسن والحسين ويفر اولادهما الي المغرب فلا يأويهما الا البربر فيا شؤم من فعل بهم ذلك وطوبي لمن اكرمهم وأعزهم .

وفاتها : توفيت عليها السلام ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة احدى عشرة للهجرة وهي بنت ثمان وعشرين سنة ودفنت بالقيع وصلي عليها علي عليه السلام .

وقيل صلي عليها ونزل في قبرها هو والفضل بن العباس وقيل لبثت فاطمة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ثلاثة اشهر وقال عروة ابن الزبير وعائشة لبثت ستة اشهر وهو الصحيح .

وروي: ان عليا عليه السلام لما ماتت فاطمة وفرغ من جهازها ومن دفنها رجع الي البيت فاستوحش فيه وجزع عليها جزعاً شديدا ثم انشأ يقول :-

ألا هــل إلى طــول الـحـيـاة ســبـيـــلٌ
وأنـــى هـــذا الـــموت لـــيس يــحولُ

وإنـــي وإن أصــبحت بـالموت موقناً
فـــلي أمــلٌ مـــن دون ذاك طـــويـــلٌ

وللــدهـر ألــــوانٌ تـــروح وتـغـــتدي
وإنّ نفـــوســـاً بـــيـــنهـــن تـــسيـــلُ

ومــنــزل حــــقٍ لا مـــعــرّج دونـــــه
لكلِّ امـــرئ مـــنـــهـــا إلـــيـــه سبيلُ

قــــطعـــت بـأيـــام الـــتــعـــزر ذكـره
وكـــلُّ عـــزيـــز مـــــا هـــنـــاك ذلــيلُ

أرى عــلـــل الـــدنيـــا عـــليَّ كــثيرةً
وصــــاحـبـــها حــتَّى الـــممات عليلُ

وإنـــي لمـــشتـــاق إلـــى من أحبـــه
فـــهل لـــي إلى من قد هويت سبيل؟

وإنـــي وإن شطّـــت بــي الدّار نازحاً
وقد مـــات قـــبلي بـــالفراق جـــمـيلُ

فقد قال في الأمثال في الـــبين
قـــائلٌ أضــــرَّ بـــه يـــوم الـــفراق قـــليـــلُ

لـكلِّ اجـــتماعٍ مــن خـــليلين فرقـــة
وكـــلُّ الـــذي دون الـــفـــراق رحـيلُ

وإن افـــتقـــادي فـــاطماً بـــعد أحـمدٍ
دلــــيـــلٌ عـــلـــى أن لا يـــدوم خـليلُ

ٌوكـــيف هناك العيش من بـعد فقدهم
لـــعـــمـــرك شـــيءٌ مـــا إليه سـبيلُ

سيُعرضُ عن ذكري وتُنســى مودتّي
ويـــظهر بـــعدي للـــخلـــيل عـــديـــلُ

ولـيس خليلـــي بالـــملول ولا الـــذي
إذا غـــبـــت يـــرضـــاه ســـواي بديلُ

ولكـــن خـــليلي مـــن يـــدوم وصاله
ويحـــفظ ســـرّي قـــلـــبُهُ ودخـــيـــلُ

إذا انقطعت يوماً من الـعيش مدَّتـــي
فـــإن بـــكـــاء الـــبـــاكـــيـــات قــليلُ

يريـــد الـــفتى أن لا يـــموت حـبـيـبه
ولـــيـــس إلـــى مـــا يـــبتغيه ســـبيلُ

ولـــيس جـــلـــيلاً رزء مـــالٍ وفــقده
ولـــكـــنَّ رزء الأكـــرمـــين جـــلـيلُ

لذلك جـــنـبي لا يـــؤاتـــيـــه مضـجعٌ
وفي القـــلب من حرِّ الـــفراق غليلُ

(تم الكتاب بعون الله وتوفيقه)