ترحيب

إِذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى ... وديُنك موفوراً وعْرِضُكَ صينُ

فلا ينطقنْ منكَ اللسانُ بَسوْأةٍ ... فكلك سَوْءاتٌ وللناسِ أعينُ

وعينُكَ إِن أبدتْ إِليك معايباً ... فصُنْها وقُلْ يا عينُ للناسِ أعينُ

وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى ... ودافعْ ولكن بالتي هي أَحْسَنُ

الشافعي


الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

الفصل الرابع - الفوائد المختلفة



الفصل الرابع
الفوائد المختلفة

العقل وفضله والجهل وقبحه:
  
 قال بعض الحكماء العقل[1] ما عقل به السيئات وحض القلب علي الحسنات والعقل معقل عن الدنيات ونجاة من المهلكات والنظر في العواقب قبل حلول المصائب والوقوف عند مقادير الأشياء قولاً وفعلاً لقوله صلي الله عليه وسلم أعقلها وتوكل وقد أجمع الحكماء والعلماء والفقهاء ان جميع الأمور كلها قليلها وجليلها محتاجة الي العقل والعقل محتاج الي التجربة، وقالوا العقل سلطان وله جنود فرأس جنوده التجربة ثم التمييز ثم الفكر ثم الفهم ثم الحفظ ثم سرور الروح لأن به ثبات الجسم والروح سراج نوره العقل، وفي الحديث ما قسم الله لعبادة خيرا من العقل.
    قال بعض العلماء : لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلاءِ إِلا فِي الْجَنَّةِ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْعَقْلِ، فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ ، فَقَالَ لِذَيْنِكَ: اصْعَدَا، قَالا: لا نَفْعَلُ. قَالَ  أَتَعْصِيَانِي؟ قَالا: لا نَعْصِيكَ ، وَلَكِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُمَا كَانَ، فَصَارَتِ الثَّلاثَةُ إِلَى آدَمَ. وقال بعضهم من استرشد الي طريق الحزم بغير دليل العقل فقد اخطأ منهاج الصواب والعقل مصباح يكشف به عن الجهالة ويبصر به الفضل من الضلالة ولو صور العقل لاظلمت معه الشمس ولو صور العقل لاضاء معه الليل وما شئ أحسن من عقل زانه أدب ومن علم زانه ورع ومن حلم زانه رفق ومن رفق زانه تقوى .
   وروي أن جبريل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا محمد أتيتك بمكارم الأخلاق كلها في الدنيا والاخرة فقال وما هي فقال خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وهو يامحمد عفوك عمن ظلمك واعطاك من حرمك وصلة من قطعك واحسانك الي من اساء اليك واستغفارك لمن اغتابك ونصحك لمن غشك وحلمك عمن اغضبك، فهذه الخصال قد تضمنت مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة وقد أنشد بعضهم في هذا المعني فقال :
         خذ  العفو  وأمر  بعرف  كما
                                أمرت  وأعرض  عن  الجاهلين
     ولن  الكلام  لكل  الانام
                            فمستحسن  من  ذوى  الجاه  لين  
  ومن طرق العقل الحميد القناعة وهي كنز لا يفني والصداقة وهي عز باق وتمام عز الرجل استغناؤه عن الناس ومن طرق العقل ايضا الحياة وقد قيل :

       أذا  قل  ماء  الوجه  قل  حياؤه 
                                   ولا خير  في  وجه  إذا  قل  ماؤه

  ومن طرقه ايضاً حسن الخلق فقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال:  ( أكمل المؤمنين ايماناً احسنهم خلقاً)[2].

الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء

  سئل بعض الحكماء(لقمان) وذوي الفصاحة من العلماء أى الخصال في الأنسان خير؟ قال: (الدين، قال فإذا كانت اثنين؟ قال : الدين والمال قال فإذا كانت ثلاثاً ؟ قال الدين والمال والحياء قال: فإذا كانت أربعاً ؟ قال: الدين والمال والحياء وحسن الخلق.  قال فإذا كانت خمساً ؟ قال:الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء . قال:  فإذا كانت ستاً ؟ قال يابني إذا اجتمعت فيه الخمس خصال فهو تقي والله ولى من كان من الشيطان برئ)، وقال أيضا (المؤمن شريف ظريف لطيف لا لعان ولا نمام ولا مغتاب ولا فتان ولا حساد ولا حقود ولا بخيل ولا مختال ولا كذاب ولا مرائي ولا مخلاف الوعد ولا خفار بالعهد، يطلب من الخيرات أعلاها ومن الأخلاق أسناها إن سلك مع أهل الخير كان أورعهم غضيض الطرف سخي الكف لا يرد سائلاً ولا يبخل بنائل متواصل الأحزان مترادف الإحسان يزن كلامه ويحرس لسانه ويحسن علمه ويكثر في الحق أمله متأسف على ما فاته من تضييع أوقاته كأنه ناظر إلى ربه مراقب لما خلق له لا يرد الحق على عدوه ولا يبطل الباطل على صديقه كثير المعونة قليل المؤنة يعطف على أخيه عند عسرته لما مضى من قديم صحبته)، فهذه صفات المؤمنين الخالصين الموحدين لرب العالمين .
إصطناع المعروف وإغاثة الملهوف وقضاء حوائج وإدخال السرور علي المسلمين
  
     قال تعالي: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ)[3]وقال تعالي: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )[4] وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( مَنْ مَشَى فِي عَوْنِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، أَوْ مَنْفَعَتِهِ فَلَهُ ثَوَابُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[5]، وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (الخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ الله وأَحَبُّهُمْ إلى الله أَنْفَعُهُمْ لعِياله)[6] ومعني عيال الله فقراء الله تعالي والخلق كلهم فقراء الله تعالي وهو يعولهم)[7] ، وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (خَيْرُ النَاسْ أَنْفَعُهُمْ للنَاسْ)[8] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا اخْتَصَّهُمْ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ، آِلى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ بِالنَّارِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ خَلَوْا مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَالنَّاسُ فِي الْحِسَابِ )[9]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مَنْ سَعَى لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ قُضِيَتْ لَهُ، أَوْ لَمْ تُقْضَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ : بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ)[10] ، وعن نافع عن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( من قضي لاخيه المسلم حاجة كنت واقفا عند ميزانية فان رجح والا شفعت له)[11] ، وعن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعِينَ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْهُ سَبْعِينَ سَيِّئَةً إِلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ فَارَقَهُ ، فَإِنْ قُضِيَتْ حَاجَةٌ عَلَى يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ، وَإِنْ هَلَكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[12] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ فَنَاصَحَهُ فِيهَا ، جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعَ خَنَادِقَ ، بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَالْخَنْدَقِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[13] ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول صلي الله عليه وسلم (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ أَقْوَامٍ نِعَمًا يُقِرُّهَا عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا فِي حَوَائِجِ النَّاسِ ، مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ فَإِذَا مَلَّوُهُمْ نَقَلَهَا مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى غَيْرِهِمْ)[14]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْهِ إِلا جَعَلَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ، فَإِنْ تَبَرَّمَ بِهِمْ فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ)[15] ، وعن انس بن مالك رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مَنْ أَغَاثَ مَلْهُوفًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلاثًا وَسَبْعِينَ مَغْفِرَةً ، وَاحِدَةٌ فِيهَا صَلاحُ أَمْرِهِ كُلِّهِ ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ لَهُ دَرَجَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[16] ، وعن ابي هريرة رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (اتدرون ما يقول الاسد في زئيره قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول اللهم لا تسلطني علي احد من اهل المعروف)[17] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: " أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضًى، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ)[18] ،  وعن انس رضى الله عنة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم: (مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يُحِبُّ لِيَسُرَّهُ بِذَلِكَ سَرَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[19] ، وروى عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سُرُورًا لَمْ يَرْضَ لَهُ اللَّهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ)[20] ، وعن جعفر ابن محمد عن ابية عن جدة رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم (وما أدخل رجل على مؤمن سرورا الا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالى ويوحدة فاذا صار العبد فى قبرة اتاه ذلك السرور فيقول له اما تعرفنى أنا السرور الذى أدخلتنى عن فلان أانا اليوم أؤانس وحشتك والقنك حجتك واثبتك بالقول الثابت واشهد مشاهدك يوم القيامه وأشفع لك الى ربك واريك منزلك فى الجنة)[21] ، وعن على ابن أبى طالب رضى الله عنه (إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُبَكِّرْ فِي طَلَبِهَا يَوْمَ الْخَميِسِ وَلْيَقْرَأْ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ آخِرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ أُمَّ الْكِتَابِ فَإِنَّ فِيهَا قَضَاءَ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)[22].
   من كلام الحكماء اذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر فانة لا يفكر الا فى خير واذا سالت لئيماً حاجة فعالجة لئلا يشير علية طبعه أن لا يفعل .

الشفقة على خلق الله ورحمة بهم

      قال الله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[23].  وقد صف الله نفسه لعبادة فقال عز وجل (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[24] وقال الله تعالي: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال المفسرون الرحيم اسم رقيق يدل علي العطف والرقه واللطف والكرم والمنه والحلم علي الخلق والرحمن مثله وقيل يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .
   وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَضَعُ اللَّهُ الرَّحْمَةَ إِلا عَلَى رَحِيمٍ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كُلُّنَا رَحِيمٌ ! ! قَالَ : لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُسْلِمِينَ)[25] ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَه)[26]، وعنه صلي الله عليه وسلم قال (ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ)[27]، وعن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول صلي الله عليه وسلم (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ رَحْمَتِي فَارْحَمُوا خَلْقِي)[28]، وروى عن طريق الطبراني عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَ تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌمِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)[29]. ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى يَدِهِ وَزْنٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[30] ، ((ودخل عامر لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه فوجده مستلقياً علي ظهره وصبيانه يلعبون علي بطنه فأنكر ذلك عليه فقال له عمر كيف أنت مع اهلك قال أذا دخلت سكت الناطق فقال له اعتزل فانك لا ترفق باهلك وولدك فكيف ترفق بأمة محمد صلي الله عليه وسلم) ، وروي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ، ولكن إنما دخلوها برحمة الله ، وسخاوة الأنفس وسلامة لجميع المسلمين))[31] .

الشفاعة وإصلاح ذات البين

     قال الله تعالي: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)[32] ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ان الله تعالي يسال العبد عن جاهه كما يسأله عن عمره فيقول له جعلت لك جاهاً فهل نصرت به مظلوماً او قمعت به ظالماً او اغثت به مكروباً)[33] ، وقال صلي الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقه أن تعين بجاهك من لا جاه له)، وعن ابي بردة عن ابي موسي الاشعرى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( اذا جاءكم صاحب حاجة فاشفعوا له لكي تؤجروا  وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة صدقة اللسان قيل يارسول الله وما صدق اللسان قال الشفاعة تفك بها الأسير وتحقن عنه بها كريهة)[34] ، وقال علي رضي الله عنه: ( الشفي علا جناح الطالب)، قال  رجل لبعض الامراء: ( ان الناس يتوسلون اليك بغيرك فينالون معروفك ويشكرون غيرك وانى اتوسل اليك بك ليكون شكري لك لا لغيرك) .
    وقيل كان معجبا بمحمد بن جعفر بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وكان الناس لعظم قدره يفزعون اليه في الشفاعات فثقل ذلك علي المنصور فحجبه مدة ثم لم يصبر عنه فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك فكلمه وقال أعف أمير المؤمنين ولا تثقل عليه في الشفاعات فقيل ذلك منه فلما توجه الي الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع فسألوه ايصالها الي المنصور فقص عليهم القصة فأبوا الا أن يأخذها فقال اقذفوها في كمي ثم دخل عليه وهو في الخضراء مشرف علي مدينة السلام وما حولها من البساتين فقال له اما ترى الي حسنها يا ابا عبد الله فقال له يا امير المؤمنين بارك الله لك فيما اتاك وهنأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك فما شيدت العرب في دولة الاسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك ولكن قبحتها في عيني خصلة قال وما هي قال ليس فيها لي من ضيعة فتبسم المنصور وقال قد حسنتها في عينيك بثلاث ضياع قد أقطعتها فقال أنت والله يا أمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر فجعل الله تعالي باقي عمرك أكثر من ماضية ثم أقام معه يومه ذلك فلما نهض ليقوم بدأت الرقاع من كمه وجعل يردهن ويقول أرجعن خائبات خاسرات فضحك المنصور وقال بحق عليك الا أخبرتني وأعلنتي بخير هذه الرقاع فعلمه وقال ما اتيت يا بن معلم الخير الا كريماً وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر :-
لسنا وان أحسابنا  كرمت
             يوم  علي  الأحساب  تتكل
نبني كما كانت  أوائلنا
          نبني  ونفعل  مثل  ما  فعلوا
  ثم تصفح الرقاع وقضي حوائجهم عن آخرها، قال محمد فخرجت من عنده وقد ربحت واربحت)[35].
الحياء
     قالت عائشة رضي الله تعالي عنها: ( إِنَّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ عَشَرَةٌ : صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَصِدْقُ الْبَأْسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِعْطَاءُ السَّائِلِ، وَمُكَافَأَةُ الصَّنِيعِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَأَدَاءُ الأَمَانَةِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلْجَارِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلصَّاحِبِ، وَقِرَى الضَّيْفِ، وَرَأْسُهُنَّ الْحَيَاءُ)[36].
    وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ )[37] ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) [38]،  وقال علي بن ابي طالب: (من كسا الحياءُ ثوبَه، لم يرَ الناسُ عيبَه) وعن زيد بن علي عن ابائه يرفعونه قال: ( من لم يستح فهو كافر)، وقال ابو موسي الاشعري رضي الله عنه: ( اني لا ادخل البيت المظلم اغتسل فيه من الجنابه فاحني فيه صلبي حياء من ربي)، وقال بعضهم: ( الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء) وقال الخواص: ( ان العباد عملو على أربع منازل، على الخوف والرجاء والتعظيم والحياء فارفعها منزلة الحياء لما أيقنو ان الله يراهم على كل حال وكان الحاجز لهم عن معاصة الحياء منة)، ويقال القناعة دليل الأمانة  والأمانة دليل الشكر والشكر دليل الزيادة والزيادة دليل بقاء النعمة والحياء دليل الخير كله)[39].
الجود والسخاء والكرم ومكارم الاخلاق واصطناع المعروف
      ان الجود هو بذل المال وانفعه ما صرف فى وجه استحقاقه وقد ندب الله تعالى الية فى قولة تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[40] قيل: إن الجود والسخاء ، والإيثار بمعنى واحد .
وقيل: مَنْ أعطى البعض وأمسك البعض، فهو صاحبُ سخاء، ومَنْ بذل الأكثر فهو صاحب جود، ومَنْ آثر غيره بالحاضر، وبقي هو في مقاساة الضرر فهو صاحب إيثار. وأصلُ السخاء هو السماحة، وقد يكون المعطى بخيلاً إذا صعب عليه البذل، والممسك سخيًا، إذا كان لا يستصعب العطاء.
   فمن الإيثار ما حكي عن حذيفة العدوى أنه قال: أنطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي في القتلى، ومعي شيء من الماء، وأنا أقول: إن كان به رمق  سقيته ، فإذا أنا به بين القتلى. فقلت له : أسقيك. فأشار إليّ أن نعم . فسمع برجل يقول: آه، فأشار إليّ ابن عمي أن انطلق إليه . فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك، فأشار إليّ أن نعم، فسمع آخر يقول: آه .. فأشار إليّ أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
ومن عجائب ما ذكر في الإيثار: ما حكاه أبو محمد الأزدى قال: لما أحترق المسجد بمرو و ظن المسلمون أن النصارى أحرقوه فأحرقوا خاناتهم . فقبض السلطان على جماعة من الذين أحرقوا الخانات، و كتب رقاعًا فيها القطع، والجلد، والقتل. ونثرها عليهم فمن وقع عليه رقعة فعل به ما فيها. فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل فقال: والله ما كنت أبالي لولا أم لي. وكان بجنبه بعض الفتيان فقال له: في رقعتي الجلد ، وليس لي أم، فخذ أنت رقعتي وأعطني رقعتك ففعل. فقتل ذلك الفتى وتخلص هذا الرجل.
وقيل لقيس بن سعد: هل رأيت قط أسخى منك؟ قال: نعم نزلنا بالبادية على امرأة فجاء زوجها فقالت له: إنه نزل بنا ضيفان، فجاء بناقة فنحرها. وقال: شأنكم. فلما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها وقال: شأنكم. فقلنا: ما أكلنا من التي نحرت البارحة إلا القليل.
 فقال: إني لا أطعم ضيفاني البائت. فبقينا عنده أيامًا، والسماء تمطر، وهو يفعل كذلك فلما أردنا الرحيل وضعنا مائة دينار في بيته. وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه ومضينا. فلما ارتفع النهار إذا برجل يصيح خلفنا: قفوا أيها الركب اللئام أعطيتمونا ثمن قرانا. ثم إنه لحقنا وقال: خذوها وإلا طعنتكم برمحي هذا. فأخذناها وانصرفنا.
وقال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام ، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام . وجميع خصال الخير من فروعه. وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:  ) تَجَاوَزُوا عَنْ ذَنْبِ السَّخِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ أَخَذَ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ  [41](، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئًا قط فقال: لا. وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَالْجَاهِلُ السَّخِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَابِدِ الْبَخِيلِ)[42].
    وقال بعض السلف : منع الموجود سوء ظن بالمعبود و تلا قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[43] وقال الفضيل:  ما كانوا يعدون القرض معروفًا . وقال أكثم بن صيفي: صاحب المعروف لا يقع ، وإن وقع وجد له متكأ)[44].
    وقال علي رضي الله تعالى عنه: ما جمعت من المال فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك، وقال النعمان بن المنذر يوما لجلسائه: من أفضل الناس عيشا وأنعمهم بالا وأكرمهم طباعًا وأجلهم في النفوس قدرًا فسكت القوم فقام فتى فقال أبيت اللعن أفضل الناس من عاش الناس فضله فقال صدقت، وكان أسماء بن خارجة يقول: ما أحب أن أرد أحدًا عن حاجة لأنه إن كان كريمًا أصون عرضه أو لئيمًا أصون عنه عرضي، وكان مورق العجلي يتلطف في إدخال السرور والرفق على إخوانه فيضع عند أحدهم البدرة ويقول له امسكها حتى أعود إليك ثم يرسل يقول له أنت منها في حل، وقال الحسن رضي الله عنه: باع طلحة بن عثمان رضي الله تعالى عنه ارضا بسبعمائة ألف درهم فلما جاء المال قال إن رجلا يبيت هذا عنده لا يدرى ما يطرقه لغرير بالله تعالى ثم قسمة في المسلمين)[45].
وكان عبدالله بن جعفر من الجود بالمكان المشهود ولدى فيه اخبار يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود وكان معاوية يعطيه ألف درهم في كل سنة فيفرقها في الناس ولا يرى إلا وعليه دين. واطعم رجل بهيمة ثم خرج بها ليبيعها فمر بعبدالله بن جعفر رضي الله تعالى عنه فقال يا صاحب البهيمة أتبيعها قال: لا ولكنها هي لك هبة ثم تركها له وانصرف إلى بيته فلم يلبث إلا يسيرًا وإذا بالحمالين على بابه عشرين نفراً عشرة منهم يحملون حنطة وخمسة لحماً وكسوة وأربعة يحملون فاكهة ونقلاً وواحد يحمل مالا فأعطاه جميع ذلك واعتذر إليه رضي الله تعالى عنه. ولما مات معاوية رضي الله تعالى عنه وفد عبدالله بن جعفر على يزيد ؟؟ فقال كم كان أمير المؤمنين معاوية يعطيك فقال كان رحمه الله يعطيني ألف ألف فقال يزيد قد زدناك لترحمك عليه ألف ألف، فقال بأبي وأمي أنت فقال ولهذه ألف ألف فقال: أما اني لا أقولها لأحد بعدك فقيل لزيد أعطيت هذا المال كله من مال المسلمين لرجل واحد فقال والله ما أعطيته إلا لجميع أهل المدينة ثم وكل به يزيد من صحبه وهو لا يعلم لينظر ما يفعل فلما وصل المدينة فرق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدين.
    معن بن زائدة كان من أكرم الكرماء، يقال فيه: حدث عن البحر ولا حرج، وكان عاملاً بالبصرة، فحضر على بابه شاعر وأقام مدة يريد الدخول فلم يتهيأ له، فقال يوماً لبعض الخدام: إذا دخل الأمير البستان فعرفني، فلما دخل أعلمه بذلك، فكتب الشاعر بيتاً ونقشه على خشبة وألقاها في الماء الذي يدخل البستان، وكان معن جالساً على القناة، فلما رأى الخشبة أخذها وقرأها فإذا فيها هذا البيت:
            أيا جود معن ناج معناً بحاجتي *** فليس إلى معن سواك رسول
فقال: من الرجل صاحب هذه؟ فأتي به إليه، فقال: كيف قلت؟ فأنشده البيت، فأمر له بعشر بدر، فأخذها وانصرف، فوضع معن الخشبة تحت بساط، فلما كان في اليوم الثاني أخرجها من تحت بساط ينظر فيها، ودعا بالرجل فأمر له بمائة ألف درهم، فلما كان في اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فتفكر الرجل وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج من البلد بما كان معه، فلما كان في اليوم الرابع طلب الرجل فلم يوجد، فقال معن: والله هممت أن أعطيه حتى لا يبقى في بيت مالي درهم ولا دينار إلا أعطيته له.
وفيه يقول القائل:
يقولون معن لا زكاة لماله *** وكيف يزكي المال من هو باذله

إذا حال حولٌ لم يكن في دياره *** من المال إلا ذكره وجمائله

تراه - إذا ما جئته - متهللاً *** كأنك تعطيه الذي أنت آمله

هو البحر من أي النواحي أتيته *** فلجته المعروف والبر ساحله

تعود بسط الكف حتى لو انه *** أراد انقباضاً لم تطعه أنامله

فلو لم يكن في كفه غير نفسه *** لجاد بها فليتق الله سائله
ومن قول معن:
(دعيني أنهب الأموال حتى *** أعف الأكرمين عن اللئام)[46].
  وكان يزيد بن المهلب من الأجواد الأسخياء وله أخبار في الجود عجيبة من ذلك ما حكاه عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال لما أراد يزيد بن المهلب الخروج إلى واسط أتيته فقلت أيها الأمير إنْ رأيت أن تأذن لي فأصحبك قال إذا قدمت واسط فائتنا إن شاء الله تعالى فسافر وأقمت فقال لي بعض إخواني أذهب إليه فقلت كان جوابه فيه ضعف قال أتريد من يزيد جواباً أكثر مما قال فسرت حتى قدمت عليه فلما كان في الليل دعيت إلى السمر فتحدث القوم حتى ذكروا الجواري فالتفت إليَّ يزيد وقال إيه يا عقيل فقلت:
            أفاض القوم في ذكر الجواري ... فأمّا الأعزبون فلن يقولوا
قال إنك لا تبقى عزبا فلما رجعت إلى منزلي إذا أنا بخادم قد أتاني ومعه جارية وفرش بيت وبدرة عشرة آلاف درهم وفي الليلة الثانية كذلك فمكثت عشر ليالي وأنا على هذه الحالة فلما رأيت ذلك دخلت عليه في اليوم العاشر فقلت أيها الأمير قد والله أغنيت وأقنيت فإن رأيت أن تأذن لي في الرجوع فأكتب عدوي وأسِرُّ صديقي فقال إنما أخيِّرك بين خلَّتين إما أن تقيم فنوليك أو ترحل فنغنيك فقلت أو لم تغنني أيها الأمير قال إنما هذا أثاث المنزل ومصلحة القدوم فنالني من فضله ما لا أقدر على وصفه.
وحدث أبو اليقظان عن أبيه قال حج يزيد بن المهلب فطلب حلاقاً يحلق رأسه فجاءوه بحلاق فحلق رأسه فأمر له بخمسة آلاف درهم فتحير الحلاق ودهش وقال آخذ هذه الخمسة ألاف وأمضي إلى أم فلان أخبرها أني قد استغنيت فقال أعطوه خمسة آلاف أخرى فقال امرأتي طالق إن حلقت رأس أحد بعدك.
وقيل إن الحجاج حبسه على خراج وجب عليه مقداره مائة ألف درهم فجمعت له وهو في السجن فجاءه الفرزدق يزوره فقال للحاجب استأذن لي عليه فقال إنه في مكان لا يمكن الدخول عليه فيه فقال الفرزدق إنما أتيت متوجعا لما هو فيه ولم آت ممتدحاً فأذن له فلما أبصره قال:
أبا خالدٍ ضاقتْ خراسانُ بعدكُمُ ... وقال ذوو الحاجات أين يزيدَ

فما قطرتْ بالشرق بعدك قطرةٌ ... ولا أخضرّ بالمروين بعدك عود

وما لسرورٍ بعد عزّك بهجةٌ ... وما لجوادٍ بعد جودك جود
فقال يزيد للحاجب ادفع إليه المائة ألف درهم التي جمعت لنا ودع الحجاج ولحمي يفعل فيه ما يشاء فقال الحاجب للفرزدق هذا الذي خفت منه لما منعتك من دخولك عليه فأخذها وانصرف.
ومر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بعجوز اعرابية فذبحت له عنزاً فقال لابنه ما معك من النفقة قال مائة دينار قال ادفعها إليها فقال هذه يرضيها اليسير وهي لا تعرفك قال إن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلا الكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
وقال أبو العيناء تذاكروا السخاء فاتفقوا على آل المهلب في الدولة المروانية وعلى البرامكة في الدولة العباسية ثم اتفقوا على أن أحمد بن داود أسخى منهم جميعاً وأفضل.
وسئل اسحق الموصلي عن سخاء أولاد يحيى بن خالد فقال أما الفضل فيرضيك فعله وأما جعفر فيرضيك قوله وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد وفي يحيى يقول القائل:
سألت الندى هل أنت حرٌّ فقال لا ... ولكنّني عبدٌ ليحيى بن خالد

فقلتُ شراءً قال لا بل وراثةً ... توارثني عن والدٍ بعد والد
وفي الفضل يقول القائل:
سألت الندى والجود مالي أراكما ... تبدّلتما عزّاً بذلٍّ مؤبّدِ

وما بال ركن المجد أمسى مهدّماً ... فقالا أُصبنا بابن يحيى محمد

فقلت فهلاّ متُّما بعد موته ... وقد كنتما عبديه في كلِّ مشهد

فقالا أقمنا كي نعزّي بفقده ... مسافة يومٍ ثم نتلوه في غد
    ومن مكارم اخلاق سيدنا علي وجوده رضي الله عنه : كان يقول من كانت له إليَّ حاجة فليرفعها إليَّ في كتاب لأصون وجهه عن المسئلة.
وجاءه رضي الله تعالى عنه أعرابي فقال له يا أمير المؤمنين إن لي حاجة إليك يمنعني الحياء أن أذكرها فقال خطها في الأرض فكتب إني فقير فقال يا قنبر أكسه حلتي فقال الأعرابي:
كستوتني حلَّةً تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إيهٍ أبا حسن قد نلت مكرمةً ... ولست تبغي بما قدّمته بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه ... كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرفٍ بدأت به ... كلُّ أمرىء سوف يجزي بالذي فعلا
فقال يا قنبر زده مائة دينار فقال يا أمير المؤمنين لو فرقتها في المسلمين لأصلحت بها من شأنهم فقال رضي الله تعالى عنه صه يا قنبر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اشكروا لمن أثنى عليكم وإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.. [47]
    قال بعض العرب لولده يا بني لا تزهدن في معروف فان الدهر ذو صروف فكم راغب كان مرغوبا اليه وطالب كان مطلوبا لديه وكن كما قال القائل :-
وعد من الرحمن فضلا ونعمة

                عليك اذا ما جاء للخير طالب

ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغبا

            فانك لا تدري متى انت راغب

وقال آخر :

ابيت خميس البطن عريان طاويا

           واوثر بالزاد الرفيق علي نفسي

وامنحه فرش وافترش الثرى

          واجعل ستر الليل من دونه لبس

حذار احاديث المحافل في غد

             اذا ضمني يوما صدره رمس
وقال يحيى البرمكي أعط من الدنيا وهي مقبلة فإن ذلك لا ينقصك منها شيئا واعط منها وهى مدبرة فإن منعك لا يبقي عليك منها شيئا فكان الحسن بن سهل يتعجب من ذلك ويقول لله دره ما أطبعه على الكرم وأعلمه بالدنيا وقد أمر يحيى من نظمه فقال:
لا تبخلن بدنيا وهى مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف

فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فليس تبقي ولكن شكرها خلف[48]
  ومن الغرائب ما حكي أن قوماً من العرب جاءوا إلى قبر بعض أسخيائهم يزورونه فباتوا عند قبره فرأى رجل منهم صاحب القبر في المنام وهو يقول له هل لك أن تبيعني بعيرك بنجيبي وكان الميت قد خلف نجيباً وكان للرائي بعير سمين فقال نعم وباعه في النوم بعيره بنجيبه فلما وقع بينهما عقد البيع عمد صاحب القبر إلى البعير فنحره في النوم فانتبه الرائي من نومه فوجد الدم يسيح من نحر بعيره فقام وأتم نحره وقطع لحمه وطبخوه وأكلوه ثم رحلوا وساروا فلما كان اليوم الثاني وهم في الطريق سائرون استقبلهم ركب فتقدم منهم شاب فنادى هل فيكم فلان فقال صاحب البعير نعم ها أنا فلان ابن فلان فقال هل بعت من فلان الميت شيئاً قال نعم بعته بعيري بنجيبه في النوم فقال هذا نجيبه فخذه وأنا ولده وقد رأيته في النوم وهو يقول إن كنت ولدي فادفع نجيبي إلى فلان فانظر إلى هذا الرجل الكريم كيف أكرم أضيافه بعد موته[49].
    كانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الضياف بنباحه. والضمير: الضيف الغريب، من أشمرته البلاد إذا غيبته؛ وكانوا إذا اشتد البرد وهبت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحي وجعلوا لها مظال، وربطوها إلى العمد لتستوحش فتنبح فتهدي الضلال[50]. وتأتي الاضياف علي نباحها فاعلم ان الحكايات وما كانوا عليه من السخاء والكرم اكثر من ان تحصر واشهر من ان تذكر – ففي ذلك فليتنافس المتنافسون ولمثلها فليعمل العاملون فان في ذلك عز الدنيا وشرف الاخرة وحست الصيت وخلود الذكر الجميل فانتهز ايها القارئ الكريم فرصة العممر ومساعدة الدنيا ونفوذ الامر ودم لنفسك في القيامه كما عملوا واعلم ان المأمول للبدن والموهوب للآخرة والمتروك للعدو اختر لنفسك اي ثلاث شئت .

العفو والحلم والصفح وكظم الغيظ وقبول المعذره الخ ..

  قد ندب الله عز وجل نبيه صلي الله عليه وسلم الي الصفح والعفو بقوله تعالي    (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[51] ، قيل هو الرضا بلا عتاب وقال تعالي: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[52] وقال تعـالي: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[53] وقال تعالي: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[54] وعن انس بن مالك رضي الله تعالي عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( رأيت قصورا مشرفة علي الجنة فقلت يا جبريل لمن هذه قال للكاظمين العيظ والعافين عن الناس)، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الي اليمن قال: ( هذا جبريل عليه السلام يوصني بالعفو فلولا علمي بالله لظنتت انه يوصني بترك الحدود)، وقال الحسن بن ابي الحسن: اذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له علي اجر فيقم فلا يقم الا العافون عن الناس وتلي قوله تعالي (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[55]، وقال علي كرم الله وجهه: ( اولي الناس بالعفو اقدرهم علي العقوبة)، وكان المأمون رحمه الله تعالي يحب العفو ويؤثره يقول: ولقد حبب الي العفو حتى اني اخاف ان لا اثاب عليه، وكان يقول لو علم اهل الجرائم لذتي في العفو لإرتكبوها، وقال لو علم الناس بحب للعفو لما تقربوا الي الإ بالجنيات، وقال علي كرم الله وجهه: إذا قدرت علي عدوك فأجعل العفو عنه شاكرا للقدرة عليه، وقال رضي الله تعالي عنه اقيدو ذوى المروءات عثراتهم فيما يعثر منه عاثر الا ويده بيد الله يرفعه، وقال رضي الله عنه: من اول عوض الحليم عن حلمه ان الناس انصار له علي الجاهل، وكان الاحنف رحمه الله كثير العفو والحلم وكان يقول ما أذاني الا اخذت في امره بإحدى ثلاث ان كان فوقي عرفت له فضله وكان مثلي تفضلت عليه وأن كان دوني اكرمت نفسي وكان مشهورا بين الناس بالحلم وبذلك ساد عشيرته وكان يقول وجدت الاحتمال انصر لي من الرجال وقيل له ممن تعلمت الحلم وقال من قيس بن عاصم كنا نختلف اليه في الحلم كما يختلف اليه الفقهاء في الفقه ولقدت حضرت عنده يوما وقد اتوه بأخ له قد قتل أبنه فجاءوا به مكتوفا فقال زرعتم اخي اطلقوه واحملوا الي ام ولدي ديته فأنها ليست من قومنا ثم أنشأ يقول :-
أقول  للنفس  تصبيرًا  وتعزيه

                  إحدى يدي اصابتني  ولم  ترد

كلاهما خلف من فقد صاحبه

                    هذا اخي حين ادعوه وذا والدي
   وقيل من عادة الكريم اذا قدر غفر واذا رأى ذله غفر وستر وقالوا ليس من عادة الكريم سرعة الغضب والانتقام وقيل من انتقم فقد شفي غيظه وأخذ حقه فلم يجب شكره ولم يحمد للعاملين ذكره، والعرب تقول لا سؤدد مع الانتقام والذي يجب علي العاقل اذا امكه الله تعالي ان لا يجعل العقوبة شتيمه وان كان لابد من الانتقام فليرفق في انتقامه الا ان يكون حدا من حدود الله تعالي، وقال المنصور لمجرم عجز عن العذر فما هذا الوجوم وعهدي بك خطيبا لسان فقال ياامير المؤمنين ليس هذا موقف مباهاة ولكنه موقف توبه والتوبة بالاستكانة والخضوع فرق له وعفا عنه وسعي اليه برجل من ولد الاشتر النخعي ذكر له عنه أنه يميل الي بن عدل والتعصب لهم فأمر بحضارة فلما مثل بين يديه قال ياامير المؤمنين ذنبي اعظم من نغمتك وعفوك اعظم من ذنبي ثم قال :-
فهبني مسيئًا كالذي قلت ظالما

                فعفوا جميلا كي يكون للك الفضل

فان لم يكن للعفو منك لسوء ما

                        اتيت به اهلا فانت له أهـــل
     فعفا عنه وأمر له بصلة واحضر الي المأمون رجل قد اذنب ذنبا فقال له انت الذي فعلت كذاوكذا وقال نعم يا امير المؤمنين انا ذاك الذي اسرف علي نفسه واتكل علي عفوك فعفا عنه وخلا سبيله، واحضر الي الهادي رجل من اصحاب عبد الله بن مالك فوبخه علي ذنب فقال يا امير المؤمنين ان اقراري يلزمني ذنبا لم افعله ويلحق بي جرما لم اقف عليه وانكاري رد عليك ومعارضه لك ولكني اقول : -
فاذا كنت تبغي بالعقاب تشفيا

                      فلا تزهدن عند التجاوز في الاجر
    فقال لله درك من معتذر بحق او باطل ما امضي لسانك واثبت جنانك وعفا عنه وخلا سبيله .
    وكان ابن عوف اذا غضب علي انسان قال له بارك الله فيك وكانت له ناقة كريمه فضربها الغلام فانذر عينها فقالوا اذا غضب بن عون فانه يغضب اليوم فقال للغلام غفر الله لك.
    وقال رجل لرسول الله صلي الله عليه وسلم اي شئ اشد قال غضب الله قال فيها يباعدني من غضب الله قال ان لا تغضب ويقال من اطاع الغضب اطاع الارب – وقال ابو العتاهيه :
ولم ار في الأعداء حين اختبرتهم

                           عوا لعقل المرء اعدي من الغضب
  وقال ابو هريرة رضي الله عنه: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)[56] ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كفي بلا مرء اثما ان يقال له اتق الله فيغضب ويقول عليك نفسك، وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الي عامل من عماله: ان تعاقب عند غضبك واذا غضبت علي رجل فاحبسه فاذا سكن غضبك فاخرجه فعاقبه علي قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا .
    وقيل لعبد الله بن المبارك اجمع لنا حسن الخلق في كلمة واحدة قال: ترك الغضب، وقال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب ويشتد غضبه فكتب ثلاث صحائف فأعطي كل صحيفة رجلا وقال للاول اذا اشتد غضبي فناولنيها وقال للثالث اذا ذهب غضبي فناولنيها وكان مكتوب في الاولي اقصر فما انت وهذا الغضب انك لست باله انما انت بشر يوشك ان يأكل بعضك وفي الثانية ارحم من في الارض يرحمك من في السماء وفي الثالثة احمل عباد الله علي كتاب الله فانه لا يصلحهم الا ذاك ، وكان الشعبي اولع شئ بهذا البيت : -
ليست الاحلام في حال الرضا

                            انما الاحلام في حال الغضب
   وعن معاذ بن جبل عن انس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور ما شاء)[57] وفي رواية ملأه الله امنا وايمانا .
   وقال ابوذر لغلامه لم ارسلت الشاة علي علف الفرس قال اردت ان اغيظك لاجمعن علي الغيظ أجرا، فقال له  انت حر لوجه الله تعالي، (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ)[58]، قال الرشيد لاعرابي بم بلغ فيكم هشام بن عروة هذه المنزلة، قال بحلمه علي سفينها وعفوه عن مسيئنا وحمله عن ضعيفنا لا منان اذا وهب ولا حقود إذا غضب رحب الجنان سمح البنان ماضي اللسان عال فأوما الرشيد الي كلب صيد كان بين يديه وقال الله لو كانت لهذا الكلب لاستحتحق بها السؤدد، وقيل لمعني بن زائده المؤاخذه بالذنب من السؤدد قال لا ولكن احسن ما يكون الصفح عمن عظم جرمه وقل شفعاؤه ولم يجد ناصرا، وقال محمود الوراق :
سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ  *** وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ

فَمَا النَّاسُ إلاّ وَاحِدٌ مِنْ ثَلاثَةٍ  *** شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ

فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ  *** وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لازِمُ

وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا  *** أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لائِمُ

وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا  *** تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ
   وقال الاحنف بن قيس لابنه، يا بني اذا اردت ان تؤاخي رجلا فاغضبه فان انصفك والا فاحذره، وقال الشاعر في هذا المعني :-
اذا كنت مختصا لنفسك صاحبا

                      فمن قبل ان تلقاه بالود اغضبه

فان كان في حال القطيعة منصفا

                                  والا فقد جربته فتجنبه
ومن امثال العرب احلم تسد ( قال الشاعر )
لَنْ يَبْلُغَ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ عَظمُوا  ***  حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لأقْوَامِ

وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الأَلْوَانَ مُسْفِرَةً  *** لا صَفْحَ ذُلٍ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلامِ
وقال آخر :
وجهل رددناه بفضل حلومنا

                ولو اننا شئنا رددناه بالجهل
  وقال الأحنف: اياكم ورأى الاوغاد قالوا وما رأى الأوغاد قال الذين يرون الصفح والعفو عارا.

حسن المعاشرة والمودة والاخوة
 
    ان المودة والاخوة والزيارة سبب التآلف، والتآلف سبب القوة، والقوة سبب التقوى، والتقوى حصن منيع وركن شديد بها يمنع الضيم وتنال الرغائب وتنجح المقاصد وقد من الله تعالي علي قوم وذكرهم نعمته عليهم بان جمع قلوبهم علي الصفاء وردها بعد الفرقه الي الالفة والاخاء فقال تعالي: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[59] ووصف نعيم الجنة وما اعد فيها لاوليائه من الكرامه اذ جعلهم اخوانا علي سرر متقابلين وقد سن رسول الله صلي الله عليه وسلم الاخاء وندب اليه وآخي بين الصحابه رضي الله تعالي عنهم اجمعين وقد ذكر الله تعالي اهل جهنم وما يلقــون فيها مــن الالم اذ (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[60]، وقال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه:       الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين وانشدوا في ذلك :-
وما المرء الا باخوانه

                    كما يقبض الكف بالمعصم

ولا خير في كف مقطوعه

                     ولا خير في الساعد الاجزم
وقال زياد خير ما اكتسب المرء الاخوان فانهم معونة علي حوادث الزمان ونوائب الحدثان وعون في السراء والضراء، ومن كلام علي كرم الله وجهه :
عليك باخوان الصفا فانهم

                    عماد اذا استنجدتهم وظهور

وان قليلا الف خل وصاحب

                        وان عدوا – واحدا – لكثير
وقال الاوزاعي: الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب ان لم تكن منه شانته، وقال عبد الله بن طاهر: المال غاد ورائح والسلطان ظل زائل والاخوان كنوز وافرة .
 وقال المأمون للحسن بن سهل نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملوءة سوى سبعة قال وما السبعة يا امير المؤمنين قال خبز الحنطة ولحم الغنم والماء البادر والثوب الناعم والرائحة الطيبة والفراش الوطئ والنظر الي الحسن من كل شئ قال فاين انت يا امير المؤمنين من مصادقة الرجال قال صدقت وهي اولاهن، وقال سليمان عبد الملك اكلت الطيب ولبست اللين وركبت الفاره وافتضضت العذراء فلم يبق من لذاتي الا صديق اطرح معه مؤنة التحفظ، وكذلك قال معاوية رضي الله عنه نكحت النساء حتى ما افرق بين امرأة وحائط واكلت الطعام حتى لا اجد ما استمرئه وشربت الاشربة حتى رجعت الي الماء وركبت المطايا حتى اخترت نصلي ولبست الثياب حتى اخترت البياض فما بقي من اللذات ما تنوق اليه نفسي الا محادثة اخ كريم .
وانشدوا في معني ذلك :
وَمَا  بَقِيَتْ  مِنَ  اللَّذَّاتِ  إِلاَّ        مُحَادَثَةُ الرِّجَالِ ذَوِي العُقُولِ
وَقَدْ    كُنَّا    نَعُدُّهُمُ    قَلِيلاً        فَقَدْ صَارُوا  أَقَلَّ  مِنَ  القَلِيلِ
( ( وقال لبيد)
ما عاتَبَ المَرْءَ اللبيبَ كنفسِهِ

                         والمَرْءُ يُصْلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ.
( وقال آخر )
إِذَا مَا أَتَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زَلَّةٌ        فَكُنْ أَنْتَ  مُحْتَالاً  لِزَلَّتِهِ  عُذْرا
  وقيل لابن السماك اي الاخوان احق ببقاء المودة قال : الوافر دينه الوافي عقله الذي لا يملك علي القرب ولا ينساك علي البعد ان دنوت منه داناك وان بعدت عنه راعاك وان استنعت به عضدك وان احتجت اليه رفدك وتكون مودة فعله اكثر من مودة قوله وانشدوا ما يلي في هذا المعني :-
إِنَّ أَخَاكَ الصِّدْقَ مَنْ يَسْعَي مَعَكْ        وَمَنْ    يَضُرُّ     نَفْسَهُ     لِيَنْفَعَكْ

وَمَنْ  إِذَا  رَيْبُ  الزَّمَانِ  صَدَّعَكْ        شَتَّتَ   فِيكَ   شَمْلَهُ    لِيَجْمَعَكْ
وقلب آخر
وَلَيْسَ  أَخِي  مَنْ  وَدَّنِي   بِلِسَانِهِ        وَلَكِنْ أَخِي مَنْ وَدَّنِي وَهْوَ غَائِبُ
وَمَنْ مَالُهُ مَالِي إِذَا  كُنْتُ  مُعْدَمًا        وَمَالِي  لَهُ  إِنْ   أَعْوَزَتْهُ   النَّوَائِبُ
وقال ابو تمام :
مَنْ   لِي   بِإِنْسَانٍ   إِذَا   أَغْضَبْتُهُ        وَجَهِلْتُ كَانَ  الْحِلْمُ  رَدَّ  جَوَابِه

وَإِذَا صَبَوْتُ إِلَى المُدَامِ شَرِبْتُ مِنْ        أَخْلاقِهِ   وَسَكِرْتُ    مِنْ    آدَابِه

وَترَاهُ  يُصْغِي   لِلْحَدِيثِ   بِطَرْفِهِ        وَبِقَلْبِهِ     وَلَعَلَّهُ      أَدْرَى      بِه
 قيل لخالد بن صفوان اي اخوانك أحب اليك قال الذي يسد خلتي ويغفر زلتي ويقبل عثرتي وقيل من لا يؤاخي الا من لا عيب فيه قل صديقه ولم يرض من صديقه الا بايثاره علي نفسه دام سخطه ومن عاتب علي كل ذنب ضاع عتبه وكثر تعبه وقد قيل في ذلك :
وَمَنْ لَمْ  يُغْمِّضْ  عَيْنَهُ  عَنْ  صَدِيقِهِ        وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وقال آخر :
إِذَا  كُنْتَ  فِي  كُلِّ   الأُمُورِ   مُعَاتِبًا        صَدِيقَكَ  لَمْ  تَلْقَ  الَّذِي   لا   تُعَاتِبُهْ
فَعِشْ  وَاحِدًا  أَوْ  صِلْ   أَخَاكَ   فَإِنَّهُ        مُقَارِفُ    ذَنْبٍ     مَرَّةً     وَمُجَانِبُهْ

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى الْقِذَى        ظَمِئْتَ  وَأَيُّ  النَّاسِ  تَصْفُو  مَشَارِبُهْ
وقالوا اذا رأيت من أخيك امرا تكرأو خلة لا تحبها فلا تقطع حبله ولا تصرم وده ولكن داو كلمته واستر عورته وابقه وابرأ من عمله قال تعالي: (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)[61] فلم يأمره بقطعهم وانما أمره بالبراءة من علمهم السئ ، وقال صلي الله عليه وسلم (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) وقال عليه الصلاة والسلام ان روحي المؤمنين ليلتقيان من مسيرة يوم وما رأى احدهما صاحبه وفي ذلك قال بعضهم :
هويتكم بالسمع قبل لقائكم

                  وسمع الفتي يهوى لعمرى كطرفة

وخيرت عنكم كل جود ورفعه

                           فلما التقينا كنتم فوق وصفة
وقال آخر :-
تبسم الثغر عن اوصافكم فغدا

                  من طيب ذكركم نشر فأحيانا

فمن هناك عشقناكم ولم نركم

               والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وجاء في الاثر، ما تحاب اثنان في الله الا كان افضلهما عند الله اشدهما حبا لصاحبه مازار أخ في الله شوقا اليه ورغبة في لقائة الانادته ملائكة من ورائه طبت لك الجنة، وقالوا لا يوجد سرور يعدل لقاء الاخوان ولا غم يعدل فراقهم وقالوا شر الاخوان الواصل في الرخاء الخاذل عند الشدة وقالوا ان الوفاء ان تكون لصديق صديقك صديقا ولعدو صديقك عدوا وقالوا ان من اعجب الاشياء ود من يهودى وحفظ من نصراني ورياضة من دهري وكرم من اعجمي ، وقالوا الحذر من الكريم اذا اهنته واللئيم أذا اكرمته والعاقل اذا احرجته والاحمق اذا ما زحته والفاجر اذا عاشرته وقالوا اصحب من الاخوان من اولاك جمائل كثيرة فكافأتة بجميله واحدة فنسي جمائله وبقي شاكرا ناشرا ذاكرا لجميتك يوليك عليها الاحسان الكثير الجزيل ويرى انه ما بلغ من مكافاتك القليل وقال ابن عائشة لقاء الخليل شفاء الغليل وقال بعض الحكماء اذا وقع بصرك علي شخص فكرهته فاحذره جهدك، وقد قال عبد الله بن طاهر في ذلك :
خليليَّ للبغضاء عينٌ مُبيِنَةٌ ... وللحبِّ آياتٌ تُرَى ومعارفُ

ألا إنّما العينانِ للقلبِ رَائدٌ ... فما تألفُ العينانِ فالقلبُ يألفُ
وقال بعضهم في وجوب بقاء المودة :

وكنتُ إذا الصديقُ أرادَ غيظي

                      وشرَّقني على ظمأ بريقي

غفرتُ ذنوبَهُ وكظَمتُ غيظي

                         مخافةَ أن أعيشَ بلا صديق ِ

آداب المعاشرة
 
 البشاشة والبشر وحسن الخلق والأدب، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءو والمصافحه اذا تلاقوا وكان القعقاع بن شور الهذلي اذا جالسه رجل يجعل له نصيبا من ماله ويعينه علي حوائجه ودخل يوما علي معاوية فأمر له بألف دينار وكان هناك رجل قد فسح له في المجلس فدفعها للذي فسح له فأنشد الرجل :
وكنت جليس قعقاع بن شور

                             وما يشقي بقعقاع جليس

ضحوك السن ان نطقوا بخير

                           وعند الشر مطراق عبوس
    وقال ابن عباس رضي الله عنهما ان لجليسي علي ثلاث ان ارمقه بطرفي اذا اقبل واوسع له اذا جلس واصغي له اذا حدث، يقال لكل شئ محل ومحل العقل مجالسه الناس ومثل الجليس الحسن كالعطار ان لم يصبك من عطره اصابك من رائحته ومثل الجليس السوء مثل الكبريت ان لم يحرق ثوبك بناره آذاك بدخانه .
  وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ان المسلمين اذا التقيا فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه ثم اخذ بيده تحاتت ذوبهما كتحات ورق الشجر وقيل البشر يدل علي السخاء كما يدل النور علي الثمر وقيل ادب السنة اذا تحدثت الي قوم ان لا تقبل علي واحد منهم ولكن اجعل لكل واحد منهم نصيبا، وقالوا اذا أردت حسن المعاشرة فالق عدوك وصديقك بالطلاقة ووجه الرضا والبشاشة ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفاف ولا تقف علي الجماعات واذا جلست فلا تتكبر علي أحد واحذر من تشبيك أصابعك ومن العبث بحليتك ومن اللعب بخاتمك وتخليل اسنانك وادخال اصبعك في انفك وكثرة بصاقك وكثرة التمطي والتثاوب في وجوه الناس وفي الصلاة وليكن مجلسك هادئا وحديثك منظوما مرتبا واصغ الي كلام جليسك واسكت عن المضاحك ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ولا تلح في الحاجات ولا تشجع احدا علي الظلم ولا تهازل امتك ولا عبدك فيسقط وقارك عندهما واذا خاصمت فانصف وتحفظ من جهلك وتجنب عجتلك وتفكر في حجتك ولا تكثر الاشارة بيدك ولا الالتفات الي من وراء واهدئ غضبك ثم تكلم واذا قربك سلطان فكن منه علي حذر واحذر انقلابه عليك وكلمة بما يشتهي ولا يحملنك لطفة بك علي ان تدخل بينه وبين اهله وحشمه وان كنت لذلك مستحقا عنده واياك وصديق العافية فانه اعدى الاعداء ولا تجعل مالك اكرم من عرضك ولا تجالس الملوك فان فعلت فالتزم ترك الغيبة ومجاذبة الكذب وصيانة السر وقلة الحوائج وتهذيب الالفاظ والمذاكرةبأخلاق الملوك والحذر منهم وان ظهرت لك منهم المودة ولا تتجشأ بحضرتهم ولا تخلل اسنانك بعد الاكل عندهم، ولا تجالس العامة فأن فعلت فآداب ذلك ترك الخوض في حديثهم وقلة الاصغاء الي اراجيفهم والتغافل عما يجرى من سوء الفاظهم واياك ان تمازح لبيبا او سفيها فان اللبيب يحقد عليك والسفيه يتجرأ عليك كما ان المزح يخرق الهيبة ويذهب بماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الايمان والود ويشين فقه الفقيه ويجرئ السفيه ويميت القلب ويباعد ويكسب الغفلة والذلة .

مناقب الصالحين وكرامات الاولياء رضي الله عنهم
   
       اعلم ايها القارئ الكريم، ان كرامات الاولياء لا تنكر ومناقبهم اكثر من ان تحصر نسأل الله تعالي ان يحشرنا معهم في زمرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم يوم المحشر انه علي ما يشاء قدير وبالاجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل .
  ( حكاية) قال مالك بن دينار رحمه الله تعالي حتبس عنا المطر بالبصرة فخرجنا نستسقي مرارا فلم نر للاجابة اثرا، ثم خرجت انا وعطاء السلمي وثابت البناني ويحيى البكاء ومحمد ابن واسع وابو محمد السختياتي وحبيب الفارس وحسان بن ثابت ابن ابي سنان وعتبه الغلام وصالح المزني حتى اذا اصرنا الي المصلي بالبصرة خرج الصبيان من المكاتب ثم استسقينا فلم نر للأجابة اثرا حتى انتصف النهار وانصرف الناس وبقيت انا وثابت البناني بالمصلي فلما اظلم الليل اذا انا بعبد اسود مليح رقيق الساقين عليه جبة صوف فجاء بماء فتوضأ ثم جاء الي المحراب فصلي ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه الي السماء وقال الهي وسيدى ومولاى الحاكم ترد عبادك فيما لا ينفعك انفذ ما عندك أو نقص ما في خزائنك اقسمت عليك بحبك لي الا ما استقينا من غيثك الساعة قال فما تم كلامه حتى تغيمت السماء وجاءت بمطر كأفواه القرب قال مالك فتعرضت وقلت له يا اسود اما تستحي مما قلت قال وما قلت – قلت قولك بحبك لي وما يدريك انه يحبك قال تنح عني يا من اشتغل عنه بنفسه افتراه بدأني بذلك الا لمحبته اياي ثم قال محبته لي علي قدره ومحبتي له علي قدرى فقلت يرحمك الله ارفق قليلا فقال اني مملوك وعلي فرض من طاعة مالكي الصغير قال فانصرف وجعلنا نقفو اثره علي البعد حتى دخل دار نخاس ( تاجر رقيق ) فلما اصبحنا اتينا النخاس فقلت يرحمك الله عندك غلام تبيعه منا للخدمة قال نعم عندي مايه غلام للبيع فجعل يعرض علينا غلاما بعد غلام حتى عرض علينا سبعين غلام فلم ألق حبيبي فيهم فقال عود الي في غير هذا الوقت فلما أردنا الخروج من عنده دخلنا حجرة خربة خلف داره واذا بالاسود قائم يصلي قفلت هذا حبيبي ورب الكعبة فجئت الي النخاس فقلت له يهني هذا الغلام فقال يا ابا يحيى هذا الغلام ليست همة في الليل الا البكاء وفي النهار الا الخلوة والوحدة فقلت له لابد من اخذه منك ولك الثمن وما عليك منه فدعاه فجاء وهو يناعس فقال خذه بما شئت بعد ان تبر ئني من عيوبة كلها فاشتريته منه بعشرين دينار وقلت له ا اسمك قال ميمون فأخذت بيده اريد المنزل فالتفت الي وقال يا مولاي الصغير لماذا اشتريتني وانا لا اصلح لخدمة المخلوقين فقلت له والله ياسيدي انما اشترتيك لاخدمك بنفسي قال ولم ذلك فقلت الست صاحبنا البارحه بالمصلي قال بلي وقد اطلعت علي ذلك قلت نعم وانا والذي عارضتك البارحه في الكلام بالمصلي قال فجعل يمشي حتى اتي الي مسجد فاستأذني ودخل المسجد فصلي ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه الي السماء وقال الهي وسيدي ومولاي سر كان بيني وبينك اطلعت عليه غيرك فكيف يطيب الآن عيش اقسمت عليك بك الا ما قبضتني اليك الساعه ثم سجد فانتظرته ساعة فلم يرفع رأسه فجئت اليه وحركته فاذا هو ضاحك قد مات رحمه الله تعالي عليه فقال فمددت يديه ورجليه فاذا هو ضاحك مستبشر وقد غلب البياض علي السواد ووجهه كالقمر ليلة البدر وبينما انا مندهش من تلك الحالة اذا بشاب قد دخل من الباب وقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اعظم الله اجورنا واجوركم في اخينا ميمون هاكم الكفن فناولني ثوبين ما رأيت مثلهما قط فغسلناه وكفناه فيهما ودفناه – قال مالك ابن دينار فبقبره نستسقي الي الان ونطلب الحوائج.
 ( وحكي) ان بعضهم كان ملاحا يبحر النيل المبارك بمصر، قال كنت اعدى من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي  ومن الجانب الشرقي الي الجانب فبينما انا ذات يوم في الزورق اذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة فقال السلام عليكم فرددت عليه السلام فقال اتحملنى للجانب الغربي لله تعالي فقلت نعم فطلع الي الزورق فعديت به الي الجانب الغربي كانت علي جسمه مرقعه وبيده ركوة وعصا فلما اراد الخروج من الزورق قال اني اريد ان عند تلك الشجرة ميتا وستنسي فاذا الهمت فأتني وغسلني وكفني في الكفن الذي تجده عند رأسي وصلي علي وادفني تحت الشجرة وهذه المرقعه والعصا والركوه يأتيك من يطلبها منك فادفعها اليه ولا تحتقره قال الملاح ثم ذهب تركني فتعجبت من قوله وبت تلك الليلة فلما اصبحت انتظرت الوقت الذي فلما اصبحت انتظرت الوقت الذي قال لي فلما جاء وقت الظهر نسيت فما تذكرت الا قريب العصر فسرت بسرعة فوجدته تحت الشجرة ميتا ووجدت كفنا جديدا عند رأسه تفوح منه رائحة المسك فغسلته وكفنته فلما فرغت من غسله حضر عندى جماعه عظيمة لم اعرف منهم احد فصلينا عليه ودفنته تحت الشجرة كما عهد الي ثم عدت الي الجانب الشرقي وقد دخل الليل فنمت فلما طلع الفجر وبانت اذا انا بشاب قد اقبل علي فحققت النظر في وجهه فاذا هو من صبيان الملاهي كان يخدمهم فأقبل وعليه ثياب رقاق وهو مخضوب الكفين وطاره تحت ابطه فسلم علي فرددت عليه السام فقال يا ملاح انت فلان ابن فلان قلت نعم هات الوديعة التي عندك قلت ومن اين لك هذا قال لاتسأل فقلت لابد ان تخبرني فقال لا ادري الا اني البارحة كنت في عرس فلان التاجر فسهرنا نرقص ونغني الي ان ذكر الله الذاكرون علي المآذن فنمت لأستريح واذا برجل قد قد ايقظني وقال ان الله تعالي قد قبض فلانا الولي واقامك مقامة فسر الي فلان بن فلان صاحب الزروق فان الشيخ اودع لك عنده كيت وكيت قال فدفعتها له فخلع اثوابه الرقاق ورمي بها في الزورق وقال تصدق بها علي ما شئتت واخذ الركوة والعصا ولبس المرقعة وسار وتركني اتحرق وابكي لما حرمت من ذلك واقمت يومي ذلك ابكي الي الليل ثم نمت فرأيت رب العزة جل جلاله في النوم فقال ياعبدي اثقل عليك ان مننت علي عبد عاص بالرجوع الي انما ذلك فضلي اوتيه من اشاء من عبادي وانا ذو الفضل العظيم .
   ومن الحكايات الطريفة ايضا التي تتحلي فيها حكمة الخالق وتصرفه المطلق في مخلوقاته واصطفائه لمن يشاء من خلقه كما يتجلي فيها معني المثل المعروف بين الخاص والعام ( ان الله يضع سره في اضعف خلقه) لحكمة يعلمها هو دون غيرة ما تضمنته ترجمة الشيخ شمس الدين محمد بن علي الحسيني البخارى كما هي مدونة في تاريخ ابن خلكان، قال الراوى : ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن علي الحسيني البخاري (قدس الله سره العزيز)، كان عالما بالكتاب والسنة عارفا بالله تعالي وصفاته وكان زاهدا متورعا صاحب جذبة عظيمة وله قدم راسخ في التصوف ولد ببلدة بخارى وظهرت له كرامات في حال صباه وعاشر المشائخ العظام ونال منهم ما نال من المقامات والاحوال ثم دخل بلاد الروم وتوطن بمدينة بروسا وقرأ علي الشيخ شمس الدين الفناوى ورأيت بخطة كتاب مفتاح الغيب لصدر الدين القونوى قدس الله سره الذي قرأ علي الشيخ الفناوى وكتب عليه اجازة بخطة الشريف ثم ان اهالي بروسا احبوه محبة عظيمه وقد اشتهر عندهم بأمير سلطان وصارت من جملة احبائه بنت السلطان بايزيد المذكور حتى تزوج بها وحصل منها اولاد ثم ان السلاطين العثمانية في زمانه لما شاهدوا منه الكرامات كانوا يعظمونه واذا قصدوا سفرا يذهبون اليه ويتبركون بدعائه ويتقلدوا منه السيف، وقد روى ان دخل الامير تيمور مدينة بروسا وافسد التتار في المدينة واستغاث الناس بالشيخ المذكور وتضرعوا اليه في دفع هؤلاء الظلمة، فقال لهم الشيخ ادخلوا معسكر الامير واطلبوا فيه رجلا علي هئيه  رثة يصنع نعل الدواب ووصف لهم شكله وهيئته فاذا وجدتموه سلموا مني عليه وقولوا له نسأل منكم الارتحال بعد هذا، فطلبوه ووجدوه كما وصف واوصلوا الخبر اليه فقال سمعا وطاعه نرتحل غدا ان شاء الله تعالي، ففي غد ذلك اليوم ارتحل الامير تيمور مع جنده بحيث لم ينظر اولهم مؤخرهم .
تعليق وشرح : 
  قد يتوهم بعض القراء الكرام ان ذلك الرجل الذي كان بمعسكر الامير هو اعظم سرا من الشيخ المذكور ولكن حقيقه الامر هي عكس ذلك بل ان ذلك الرجل كان مثله كمثل الخفير بالنسبة الي درجة الموظف الكبير ولكن الله سبحانه وتعالي قد اخفي سر تدبيره في شخصه الحقير وان كان هو بالنسبة الي المحجوبين من عامة الناس من عباد الله المكرمين – هذا وان الحكايتين السابقتين تدلان علي ذلك، فليعبر بهؤلاء ساداتنا العلماء الذين يرون ان الولاية والصلاح والبركة لا تأتي الا بوفرة العلم والتبحر في شتي العلوم ناسين فضل الله العظيم الذي خص به كثير من الآدميين مثل هذا الطراز من الناس لا زال بين ظهر انينا في كل زمان ومكان وقد يعرفهم من خصه الله بمعرفتهم وينبغي علي كل أديب وعاقل ان يقف عنده حده بالتسليم مادام قد عرف ان كل الأمر بيد الله فهو الفاعل المختار في مخلوقاته.


ذكر النساء
وصفاتهن ونكاحهن وعشرتهن وأخلاقهن الخ
 
قال تعالي (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)[62] ، وقال تعالي: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)[63] ، وقال تعالي: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)[64] ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ )[65] وقال صلي عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ)[66].  وقال صلي الله عليه وسلم (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ)[67]، وقال عليه الصلاة والسلام: (خير النساء احسنهن وجوهاً وارخصهن مهراً)[68]   فينبغي للرجل اذا اراد ان يتزوج ان يرغب في ذات الدين وان يختار الشرف والحسب، حكى ان نوح بن مريم قاض مرو اراد ان يزوج ابنته فاستشار جارا له مجوسيا فقال المجوسي سبحان الله الناس يستفتونك وانت تستفتيني قال لابد ان تشير علي، قال ان رئيسنا كسرى كان يختار المال ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال والعرب كانت تختار الحسب والنسب ورئيسكم محمد كان يختار الدين فانظر انت بايهم تفتدى، وقال رجل للحسن ان لي ابنه فمن ترى ان ازوجها له قال زوجها ممن يتقي الله عز وجل فان احبها اكرمها وان ابغضها لم يظلمها وقيل لرجل من الحكماء فلان يخطب فلانه فقال اموسر من عقل ودين فقالوا نعم قال فزوجوه اياها ويستحب ان يختار البكر لقوله صلي الله عليه وسلم(عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ أَفْوَاهًا ، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا )[69] وقالوا اشهي المطى ما لم يركب واحب اللآلي ما لم يثقب وانشد بعضهم :-
قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم

                        اشهى المطى الي ما لم يركب

كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة

                         نظمت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فأجابته امراة :
ان المطية لا يلذ ركوبها

                    حتى تذلل بالزمام وتركبا

والدر ليس بنافع اربابه

                         حتي يؤلف بالنظام ويثقبا
    وقيل استشار رجل داؤد عليه السلام في التزويج فقال له سل سليمان واخبرني بجوابه فسأله فقال عليك بالذهب الاحمر او الفضه البيضاء واحذر الفرس لا يضربك فلم يفهم الرجل ذلك فقال له داؤد عليه السلام الذهب الاحمر البكر والفضه البيضاء الثيب الشابه ومن وراءهما كالفرس الجموح، وقال رسول صلي الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم ) وقال عليه الصلاة والسلام ( انظر في اي شئ تضع ولدك فان العرق دساس )[70]
)،وقال ايضا (إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ".قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ مَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟قَالَ: "الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ)[71] وغيرهم . وقد قيل في هذا المعني :-
اذا تزوجت فكن حازقا

                     واسأل عن الغصن وعن منبته

واول خبث الماء خبث ترابه

                         واول خبث القوم خبث المناكح
وانشدوا ايضا :
صفات من يستحب الشرع خطبتها

                       جلوتها لأولي الالباب مختصرا

صبية ذات دين زانه ادب

                           بكر ولود حكت في نفسها القمرا

غريبة لم تكن من اهل خاطبها

                                    تلك الصفات التي اجلو لمن نظرا

فيها احاديث جاءت وهي ثابته

                                   احاط علما بها من في العلوم قرأ[72]
وقال آخر :
مطيات السرور فويق عشر

                           الي العشرين ثم قف المطايا

فان جزب المسير فسر قليلا

                              وبنت الاربعين من الرزايا
وقال آخر ايضا :
فاياك اياك العجوز ووطأها

                         فما هو الا مثل سم الاراقم
  واعلم ان العيش كله مقصور علي الحليلة الصالحة والبلاء كله موكل بالقرينه السوء التي لا تسكن النفس الي عشرتها ولا تغر العيون برؤيتها، ومن حكم سليمان بن داؤد عليهما السلام المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه .
   وروى انه لما خطب عمرو بن حجر الكندي الي عوف بن محلم الشيباني ابنته ام اياس واجابه الي ذلك اقبلت عليها امها ليلة دخوله بها توصيها فكان مما اوصتها به: ان قالت اي بنيه انك مفارقه بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي منه درجت الي رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له امه ليكون لك عبدا واحفظي له خصالا عشر يكن لك دخرا فأما الاولي والثانية فالرضا بالقناعة وحسن السمع له والطاعه واما الثالثة والرابعة فالتفقد لمواقع عينيه وانفه فلا تقع عينه منك علي قبيح ولايشم انفه منك الا اطيب الريح واما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه ومنامه فان شدة الجوع ملهبة وتنقيص النوم مغضبة واما السابعة والثامنة فالاحراز لماله والارعاء علي حشمه وعياله واما التاسعة والعاشرة فلا تعصي له امرا ولا تفشي له سرا فانك ان خالفت امرة اوغرت صدره وان افشيت سره لم تأمني غدره واياك ثم اياك والفرح بين يديه اذا كان مهتما والكآبه لديه اذا كان فرحا فقبلت وصيه امها فانجبت وولدت له الحرث بن عمرو جد امرئ القيس الملك الشاعر .
المرأة السوء وصفتها
  
 قال داؤد عليه السلام : ان المرأة السوء مثل شرك الصياد لاينجو منها الا من رضي الله تعالي عنه، وقيل المرأة السوء غل يلقيه الله تعالي في عنق من يشاء من الرجال، قيل لأعرابي كان ذا تجربة للنساء: (صف لنا شرَّ النساء)، فقال: (شرُّهنَّ النحيفةُ الجسم، القليلةُ اللحم، المحياضُ الممراض، المصفَرَّةُ الميشومة، العسِرَةُ المبشومة، السلِطة البطِرة، النفِرة السريعةُ الوثبة، كأن لسانها حربة، تضحك من غير عجب، وتبكي من غير سبب، وتدعو على زوجها بالحَرَبِ، أنفٌ في السماء، واسْتٌ في الماء، عرقوبُها حديد، منتفخةٌ الوريد، كلامُها وعيد، وصوتُها شديد، تدفنُ الحسنات، وتفشي السيئات، تعينُ الزمان على بعلها، ولا تعينُ بعلها على الزمان، ليس في قلبها عليه رأفة، ولا عليها منه مخافة، إن دخلَ خرجت، وإن خرجَ دخلت، وإن ضحكَ بكت، وإن بكى ضحكت، كثيرةُ الدعاء، قليلةُ الإرعاء، تأكلُ لماًّ، وتوسع ذماًّ، ضيقةُ الباع، مهتوكةُ القناع، صبيُّها مهزول، وبيتُها مزبول، إذا حدثت تشير بالأصابع، وتبكي في المجامع، بادية من حجابها، نباحة عند بابها، تبكي وهي ظالمة، وتشهدُ وهي غائبة، قد دلِّى لسانها بالزور، وسال دمعها بالفجور، ابتلاها الله بالويلِ والثبور، وعظائمِ الأمور)[73].
   ويقال ان المرأة اذا كانت مبغضة لزوجها فان علامة ذلك ان تكون عند قربها منه مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر الي انسان غيرة من ورائه وان كانت محبة له لا تقلع عن النظر اليه قال بعضهم :
لقد كنتُ مُحْتاجاً إلى موت زَوْجتي ... ولكنْ قرينُ السُّوء باقٍ معَمِّرً

فيا ليتها صارت إلى القَبْر عاجلا ... وعَذَّبها فيه نَكِيرٌ وَمُنْكَر
وقال داؤد عليه السلام :
    المرأة السوء علي بعلها كالحمل الثقيل علي الشيخ الكبير والمرأة الصالحة كالتاج المرصع بالذهب كلما رأها قرت عينه برؤيتها .

مكر النساء وغدرهن وذمهن ومخالفتهن:

    وحكي عن داؤد عليه السلام وجدت في الرجال واحدا في ألف ولم أجد واحدة في جميع النساء، وقيل ان عيسي عليه السلام لقي ابليس وهو يسوق اربعة احمرة عليها احمال فسأله فقال احمل تجارة واطلب مشترين فقال احدهما ؟ قال الجور قال من يشتريه قال السلاطين، قال فما الثاني قال الحسد قال فمن يشتريه قال العلماء – قال فما الثالث قال الخيانه قال فمن يشترية قال التجار, قال فما الرابع قال الكيد قال فمن يشتريه قال النساء، وقال احد الحكماء: النساء شر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن: وقالت الحكماء لا تثق بأمرأة ولا تغتر بمال وان كثر، وقيل ان النساء حبائل الشيطان. قال الشاعر :-
تَمَتَّعْ بها ما ساعَفَتْكَ ولا تَكُنْ

                 عَلَيْكَ شَجاً في الحَلْقِ حينَ تَبِينُ

وإنْ هي أعْطَتْكَ اللَّيَانَ فإنّها

                         لآخرَ مِنْ خُلاَّنِها سَتَلِينُ

وإنْ حَلفَتْ لا يَنْقُضُ النأْيُ عَهْدَها

                    فليس لِمَخْضُوبِ الَنانِ يَمينُ

وان سكبت يوم الفارق دموعها

                    فليس لعمر الله ذاك يقين
وقال ابن بشار :
رأيت نواعيد النساء كأنها

               سراب لمرتاد المناهل حافل

ومنتظر الموعود منهن كالذي

               يؤمل يوما ان تلين الجنادل
     قال بعض الحكماء : لم تنه المرأة عن شئ قط الا فعلته، وانشد بعضهم في هذا المعني :
ان النساء متى ينهين عن خلق

                          فأنه واقع لا بد مفعول
  وقال النخعي : من علامة اقتراب الساعة طاعة النساء، ويقال من اطاع عرسه فقد اطاع نفسه، وقال علي رضي الله تعالي عنه: (وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْن، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْن. وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ)[74]
قال السمعاني :-
لا تأمننَّ من النساء ولو أخاً

                    ما في الرِّجالِ على النِّساءِ أَمِيْنُ

إِنَّ الأَمِيْنَ وإِنْ تَعَفَّفَ جُهْدَهُ

                         لا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَة ٍ سَيَخُونُ

القبر أوفي من وثقت بعهده

                    ما للنِّساءِ سِوَى القُبورِ حُصُونُ
    وقال علي رضي الله عنه: لا تطلعوا النساء علي حال ولا تأمنوهن علي مال ولا تذروهن الا لتدبير العيال، ان تركن وما يردن اوردن المهالك وافسدن الممالك ينسين الخير ويحفظن الشر يتهافتن في البهتان ويتمادين في الطغيان، وقال ابوبكر رضي الله عنه: ذل من اسند امره الي امرأة .
كيد النساء ومكرهن
    ومما حكى من كيد النساء ومكرهن ماروى في بعض التفاسير عن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أنه قال: كان في بني إسرائيل رجل، وكان له مع الله معاملة حسنة، وكان له زوجة وكان ضنيناً بها، وكانت من أجمل أهل زمانها مفرطة في الجمال والحسن، وكان يقفل عليها الباب، فنظرت يوما شاباً فهويته وهويها، فعمل له مفتاحاً على باب دارها، وكان يدخل ويخرج ليلاً ونهاراً متى شاء، وزوجها لم يشعر بذلك فبقيا على ذلك زماناً طويلاً. فقال لها زوجهاً يوماً، وكان أعبد بني إسرائيل وأزهدهم إنك قد تغيرت علي ولم أعلم ما سببه، وقد توسوس قلبي وقد كان أخذها بكراً، ثم قال لها: واشتهي منك أن تحلفي لي أنك لم تعرفي رجلاً غيري، وكان لبني إسرائيل جبل يقسمون به ويتحاكمون عنده، وكان الجبل خارج المدينة، وكان عنده نهر يجري، وكان لا يحلف أحد عنده كاذباً إلا هلك. فقالت له: ويطيب قلبك إذا حلفت لك عند الجبل؟ قال: نعم، قالت متى شئت فعلت. فلما خرج العابد لقضاء حاجته، دخل عليها الشاب، فأخبرته بما جرى لها مع زوجها، وأنها تريد أن تحلف له عند الجبل، وقالت: ما يمكنني أن أحلف كاذبة، ولا أقول لزوجي ما أحلف فبهت الشاب وتحير، وقال: فما تصنعين؟ فقالت له: بكر غداً، وألبس ثوب مكار وخذ حماراً واجلس على باب المدينة، فإذا خرجنا فأنا آمره يكتري منك الحمار، فإذا اكتراه منك بادر واحملني وارفعني فوق الحمار، حتى أحلف له وأنا صادقة أني ما مسني أحد غيرك وغير هذا المكاري. فقال: حباً وكرامة. فلما جاء زوجها قال قومي بنا إلى الجبل لتحلفي به. فقالت ما لي طاقة بالمشي فقال: اخرجي فإن وجدت مكارياً اكتريت لك. فقامت ولم تلبس لباسها، فلما خرج العابد وزوجته، رأت الشاب ينتظرها فصاحت به يا مكاري أتكري حمارك إلى الجبل بنصف درهم؟ قال: نعم، ثم تقدم ورفعها على الحمار فساروا حتى وصلوا إلى الجبل. فقالت للشاب: انزلني عن الحمار حتى أصعد على الجبل، فلما تقدم الشاب إليها ألقت بنفسها إلى الأرض، فانكشفت عورتها فشتمت الشاب، فقال: والله ما لي ذنب، ثم مدت يدها إلى الجبل فأمسكته وحلفت له أنه لم يمسسها أحد، ولا نظر إنسان مثل نظرك إلي، مذ عرفتك، غيرك وغير هذا المكاري. فاضطرب الجبل اضطراباً شديداً وزال عن مكانه، وأنكرت بنو إسرائيل ذلك. فذلك قوله تعالى: " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال )[75]
رابعة العدوية
 ام الخير رابعة[76] بنت اسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك الصالحة المشهورة، كانت من اعيان عصرها واخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة، ذكر ابو القاسم القشيري أنها كانت تقول في مناجاتها إلهي تحرق بالنار قلبا يحبك فهتف بها مرة هاتف ما كنا نفعل هذا فلا تظني بنا ظن السوء وقال يوما عندها سفيان الثوري واحزناه فقالت لا تكذب قل وإذا قلة حزناه ولو كنت محزونا لم يتهيأ لك أن تتنفس وقال بعضهم كنت أدعو لرابعة فرأيتها في النوم تقول لي هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور وكانت تقول ما ظهر من أعمالي فلا أعده شيئا وقال اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم وكانت تصلي الليل كله فغذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر لبفجر فكانت تقول إذا وثبت من مرقدها وهي فزعة يا نفس كم تنامين وإلى كم تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور وكان هذا دأبها حتى ماتت سنة خمس وثمانين ومائة وقيل سنة ثمانين ومائة وقبرها بظاهر القدس)[77] واورد لها الشيخ شهاب الدين السهر وردي في كتاب عوارف المعارف .
إنّي جَعلتكَ في الفؤاد محدّثي * وأبحتُ جسمي مَنْ أراد جلوسي

فالجسمُ مني للجليس مؤانس * وحبيبُ قلبـي فـي الفؤاد أنيس
   ذكر ابن الجوزى في كتابه شذوذ العقود بأن وفاتها كانت سنة خمس وثمانين ومايه، قبرها ظاهر يزار يقع بظاهر القدس من شرقية علي رأس جبل يسمي الطور.
وذكر ابن الجوزي في كتاب صفة الصفوة في ترجمة رابعة المذكورة باسناد له متّصل إلى عبدة بنت أبي شوال قال ابن الجوزي : وكانت من خيار إماء الله تعالى وكانت تخدم رابعة ، قالت : كانت رابعة تصلّي الليل كلّه ، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاّها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر ، فكنتُ أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها وهي فزع : يا نفس كم تنامين، وإلى كم تنامين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلاّ لصرخة يوم النشور .
وكان ذلك دأبها دهرها حتى ماتت، ولما حضرتها الوفاة دعتني وقالت : يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفنيني في جبّتي هذه وهي جبّة من شعر، كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون .
قالت: فكفنتها في الجبة وفي خمار من صوف كانت تلبسه، ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلّة استبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه، فقلت: يا رابعة ما فعلتِ بالجبة التي كفّنّاك فيها والخمار الصوف ؟
قالت: إنّ الله نزعه عني وأبدلت به ما ترينه عليّ، فطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة .
فقلت لها : لهذا كنت تعملين أيام الدنيا ؟
فقالت : وما هذا عندما رأيت من كرامة الله عزّ وجلّ لأوليائه .
فقلت لها : ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب ؟
فقالت : هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العُلا
فقلت : وبمَ ، وقد كنتِ عند الناس أكبر منها ؟
فقالت : إنّها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا أو أمست .
قالت: فقلت: فما فعل أبو مالك؟ تعني ضبغماً. قالت: يزور الله متى شاء. قالت قلت: فما فعل بشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل.
قالت قلت: فمريني بأمر أتقرب به إلى الله عز وجل. قالت عليك بكثرة ذكره، أوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك). 
السيدة نفيسة بنت السيد حسن الانور
    هي السيدة نفيسة بنت السيد حسن الانور[78] ابن السيد زيد الابلج بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم، امها ام ولد، وزوجها السيد اسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم وكان يلقب باسحاق المؤتمن لشهرته بالامانة في الدين والمعاملة وكان من اهل الصلاح والخير والفضل والدين ومن رواة الحديث الشريف وكان ابن كاسب اذا حدث عنه يقول حدثني الثقة الرضي اسحاق بن جعفر .
  كان مولدها رضي الله عنها بمكة المشرفة سنة خمس واربعين وماية ونشأت بالمدينة في العبادة والزهد تصوم النهار وتقوم الليل وكانت لا تفارق حرم النبي صلي الله عليه وسلم، قيل انها حجت ثلاثين حجة اكثرها ماشية وكانت تبكي بكاءا كثيرا وتتعلق بأستار الكعبة وتقول الهي وسيدى ومولاى متعني وفرحنى برضاك عني فلا سبب لي اتسبب به يحجبك عنى .
    ومن كرامتها رضي الله عنها، قالت زينب بنت يحي المتوج وهو اخو السيدة نفيسة رضي الله عنهم (خدمت مع عمتى نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت النهار فقالت لها أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبات لا يقطعها إلا الفائزون)، وقيل لزينب بنت اخيها ما كان قوت السيدة نفيسة قالت (كانت تأكلُ في كلِ ثلاثة أيامٍ أَكلة، وكانت لها سَلّة مُعلَّقة أمامَ مُصَلاها، وكانت كلما طلبت شيئًا للأكل وجدته في تلك السّلة، وكانت لا تأخذ شيئًا من غير زوجها أو ما يحبوها به ربها، فالحمد لله الذي جعل لنا نصِيبًا مما جعل للسيدة مريم بنت عمران عليه السلام) وعن زينب ايضا قالت كانت عمتى نفيسة تحفظ القرآن وتفسيره .
   قيل انها كانت في مصر في ناحيه يقال لها المنصوصه في دار ام هانئ. وكان بجوارها فى مصر جار يهودى له ابنة مقعدة لا تستطيع الحركة فقالت لها أمها ذات يوم: إنى ذاهبة إلى الحمام ولا أدرى ما نصنع بك، فهل لك أن نحملك معنا؟ قالت الابنة: لا أستطيع ذلك، فقالت: هل تقيمين فى البيت وحدك حتى نعود؟ فقالت: لا يا أماه ولكن اجعلينى عند هذه الشريفة التى بجوارنا حتى تعودى، فدخلت أمها إلى السيدة نفيسة لتستأذنها فى ذلك فأذنت لها، فجاءت بابنتها إليها ووضعتها فى جانب من البيت وانصرفت، ولما حان وقت صلاة الظهر أحضرت السيدة نفيسة ماء فتوضأت به وصبت من فضل وضوئها على الصبية فشفيت ببركة السيدة نفيسة، فلما جاء أهلها خرجت إليهم ابنتهم، فسألوها، فأخبرتهم الخبر فأسلموا جميعا. وفي رواية أخرى ان السيدة نفيسة توضأت وصبت من فضل وضوئها علي جسم الصبيه وهذه كرامة عظيمة قد اكرمها الله سبحانه وتعالي بها وهذا من شأن الله مع عباده الصالحين المستقيمين معه .
  ولما شاعت هذه الكرامه بين الناس لم يبق أحد الا قصد زيارة اليدة نفيسة وعظم الامر وكثر الخلق علي بابها فطلبت عند ذلك الرحيل الي بلاد الحجاز عند اهلها فشق ذلك علي أهل مصر ودخلوا علي السرى بن الحكم أمير مصر واخبروه انها عزمت علي الرحيل فاشتد ذلك عليه وبعث لها كتابا ورسولا يأمرها بالرجوع عما عزمت عليه فأبت فركب بنفسه واتي اليها وسألها في الاقامة فقالت قد كنت نويت الاامة عندكم واني امراة ضعيفة والناس قد أكثروا من المجئ عندى وشغلوني عن أورادي وجمع زادي لمعادي وأن مكاني هذا صغير وضاق بهذا الجمع الكثيف فقال لها السرى انا سأزيل عنك جميع ماشكوتيه وامهد لك الامر علي ما ترتضيه  اما ضيق المكان فان لي دارا واسعة بدرب السباع واشهد الله تعالي اني قد وهبتها لك واسألك ان تقبليها منى ولا تخجليني بالرد علي فقالت قد قبلتها منك ففرح السرى بقولها منه ثم قالت له كيف اصنع بهذه الجموع الوافدين علي قال تنفقي معهم علي ان يكون للناس في كل اسبوع يومان وباقي الوقت وباقي الوقت تتفرغن فيه لخدمة مولاك فأجعلي يوم السبت والاربعاء مثلا للناس ففعلت ذلك واستمر الامر علي ذلك الترتيب وانتفع الخلق ببقائها في مصر نفعا كثيرا . 
   (حكاية ) تثبت علو قدرها وعظمة شأنها رضي الله عنها ذكر القرماني في تاريخه وصاحب الغرر وصاحب المستطرف انه لما ظلم أحمد بن طولون وفشا ظلمه (وذلك قبل أن يصبح عادلاً)، استغاث الناس من ظلمه، وتوجهوا إلى السيدة نفيسة يشكونه إليها، فقالت لهم: متى يركب؟ فقالوا في غد! فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت: يا أحمد بن طولون! فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة فقرأها فإذا فيها: (ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وخولتم فعسفتم وردت إليكم الأرزاق فقطعتم هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا إلى الله متظلمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، قالوا: فمن يومه أصبح عادلاً .. وقد أثرت فيه تلك الرقعة الواعظة!
    ومن كراماتها ايضا، عن سعيد بن الحسن قال توقف النيل في زمانها فجاء الناس اليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعها فجاءوا به الي البحر وطرحوه فيه فما رجعوا حتى وفي البحر وزاد زيادة .
    ( كرامة آخرى ) تزوج رجل من اهل المغافر ( اي عسكري خفير ) بأمرأة ذميه فجاء منها بولد فلما كبر سافر منها واسر في بلاد العدو فجعلت المرأة تتحرى عن الأسارى وولدها لا يأتي فقالت لزوجها بلغني ان بين اظهرنا أمراة يقال لها نفيسة بنت الحسن اذهب اليها لعلها تدعو لولدى فان جاء آمنت بدينها قال فجاء الرجل الي السيدة نفيسة رضي الله عنها وقص عليها القصة فدعت له الله ان يرده عليه فلما كان الليل اذا الباب يطرق فخرجت المرأة فوجدت ولدها واقفا بالباب فلما طلع الفجر قالت له يا بني اخبرني بأمرك كيف كان فقال لها ياأماه كنت واقفا بالباب في الوقت الفلاني ( وهو الوقت الذي دعت فيه السيدة نفيسة ) وانا في خدمتى فلم اشعر الا ويد وقعت علي القيد وسمعت قائلا يقول اطلقوه فقده شفعت فيه السيدة نفيسة بنت الحسن فاطلقت من الغل والقيد ثم لم اشعر بنفسي الا وانا داخل من ناحية حارتنا الي ان وقفت علي الباب ففرحت امه وشاعت هذه الكرامة واسلم في تلك الليلة اهل سبعين دارا ببركتها واسلمت امه وصارت من الخدام للسيدة نفيسة .
   واورد ابن اياس في حوادث ( المائة العاشرة ) ان بتنا كانت تعلب مع الصبيان وعلي رأسها قلنوسة عليها بعض دراهم ودنانير فطمع صبي من الصبيان في تلك الدراهم فأخذ البنت وذهب بها الي ناحية مقبرة السيدة نفيسة صاحبة الترجمة ونزل بالبنت في هوة من الفقبور فذبحها واخذ الطاقية ففقد البنت اهلها واخذوا يفتشون عليها فلم يروا لها أثر ثم الهموا القبض علي الصبيان الذين اعتادت البنت اللعب معهم فقبضوا عليهم ورفعوهم الي الحاكم فهدهم فأقر الصبي بما فعله مع البنت فأخذوه وذهبوا به الي المقبرة ونزلوا القبر فوجدوا به البنت وبها حياة مستقرة وقد انقطع خروج الدم من موضع الذبح فخاطوا ذلك الموضع وعاشت البنت واخبرت انها لما ذبحها الصبي وانصرف دخلت عليها امرأة حسنة الصورة وقالت لها لا تخافي يا بنتي ومسحت علي محل الذبح فانقطع الدم وسقتها فقالت البنت للمرأة من انت قالت انا السيدة نفيسة ( رضي الله عنها ).
وفاتها: قال القضاعي ان السيدة انتقلت من المنزل الذي نزلت به الي دار ابي جعفر خالد بن هارون السلمي وهي التي وهبها لها امير مصر السرى بن الحكم في خلافه المأمون فأقامت بها حينا الي زمن وفاتها وحفرت قبرها بيدها في بيتها وكانت تصلي فيه كثيرا وقرأت فيه مايه تسعين ختمة وفي راوية الفي ختمه وقيل الف وتسعماية – قالت زينب بنت اخيها تألمت عمتى في اول يوم من رجب وكتبت الي زوجها اسحاق المؤتمن كتابا وكان غائبا بالمدينة تأمره بالمجئ اليها ولا زالت كذلك الي اول جمعة من شهر رمضان وفي اواسط الشهر المذكور احتضرت واستفتحت بقراءة سورة الانعام فلا زالت تقرأ الي ان وصلت الي قوله تعالي ( قل الله كتب علي نفسه الرحمه) ففاضت روحها الكريمة، وفي رواية أخرى عن بنت اخيها زينب قالت وصلت في التلاوة الي قوله تعالي ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) غشي عليها فضممتها لصدرى فتشهدت شهادة الحق اقبضت رحمة الله عليها، ووصل زوجها في ذلك اليوم فقال اني احملها الي المدينة وادفنها بالبقيع فاجتمع اهل مصر الي امير البلد وطلبوا منه ان يتوسط لهم الي زوجها اسحق كي يرجع عما اراد فأبي ثم انهم جمعوا له مالا كثيرا وسألوه ان يدفنها عندهم فأبي فباتوا في مشقه عظيمة فلما اصبحوا اجتمعوا عليه فوجدوا منه غير ما عهدوه بالامس فقالوا ان ذلك لشأنا قال نعم، رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يقول رد عليهم اموالهم وادفنها عندهم، وكان ذلك في سنة ثمان ومائتين بعد وفاة الامام الشافعي رضي الله عنه بأربع سنين، ودفنت بمزار بدرب السباع وكان يوم دفنها يوما مشهودا واتوها من البلاد والنواحي يصلون عليها ويدعون لها بعد دفنها واوقدت الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الاسف عليها، قال القضاعي اقامت السيدة نفيسة بمصر سبع سنين .
وقد مدحها بعض الفضلاء بالابيات الآتية:-
يامن له في الكون من حاجة *  عليك بالسيدة الطاهرة

نفيسة والمصطفي جدها * اسرارها بين الورى ظاهره

في الشرق والغرب لها شهرة * أنوارها ساطعة باهرة

كم من كرامات لها قد بدت * وكم مقامات لها فاخرة

ياحبذا سيدة شرفت * بها ارض مصر والقاهرة

بنفسها قد حفرت قبرها * حال حياة يا لها حافرة

تتلو كتاب الله في لحدها * وهي لمن قد زارها ناظره

حجت ثلاثين علي رجلها * صائمة علي اكلها قاصره

كانت صلي وتقوم الدجي * دوما علي اقدامها ساهره

عابدة زاهدة جامعه * للخير في الدنيا والاخرة

في كل قطر قد سما ذكره * عالمه فائقة ماهره

يسقي بها الغيث اذا ما القرى * قد اجدبت من سحبها الماطره

والناس قد عاشوا بها في صفاء * عيش بأيام لها زاهره

والشافعي قد كان يأتي  لها * سعيا الي دار بها عامره

يرجو ان تدعو له دعوة * فيها لها من دعوة وافرة

صلت عليه بعد موت وقد * اوصي بذا فهي له شاكره

سبحان من اعلي لها قدرها * لأنها بين الورى نادره
   والله انها نادرة ومن اعظم سيدات آل البيت ومن يتتبع ترجمتها رضي الله عنها يعلم اناه اعظم سيدة بعد جدتها السيدة فاطمة الزهراء بنت اشرف الخلق اجمعين.
   وقد مدحها ايضا الشيخ احمد الحامي بالابيات الآتية :-
يـا صاحِ إن رُمتَ الحياةَ الفاخرة
فـأقصدْ حِمى بنتِ الكرامِ الطاهرة
ذاتِ الـكراماتِ الـمُعظَّمةِ الـتي
أسـرارُها بـين الخلائقِ ظاهرة
وبـها تَـوسَّلْ وآحْـتَمِ بِجِوارِها
وآذكُـرْ مُصابَك تَلْقَها لك ناصرة
فـهيَ الـمُنجّيةُ الشبابَ مِن العذابِ
مُـغيثةُ الملهوفِ شمسُ الدائرة
كـم جـاءها ذُو فاقةٍ يرجو الغِنى
جَـبَرَت بتيسير المعايشِ خاطرَة
فـآغنَمْ وسَـلْ بمَقامِها تُعطَ المُنى
فـعَلَى الـدوامِ لـزائريها حاضرة
وآدخُـلْ وطُفْ وآسْعَ وسَلْ بتأدُّبٍ
مـا تـشتهيهِ ونـادِها: يا طاهرة
إنّـي قـصدتُكِ مُـستغيثاً لائـذاً
مُـستعطِفاً أهـلَ القلوبِ العامرة
حـاشا وكَـلاّ أن يُـضامَ نزيلُكُم
أو أن يـعودَ بـصفقةٍ هي خاسرة
يـا كـعبةَ الأسـرارِ، جئتُكِ لائذاً
أبغي النَّدى مِن وَكْفِ كفٍّ عاطرة
يـا بـنتَ طـه أنقِذي مَن لم يَجِدْ
جاهاً سوى ذي المعجزاتِ الظاهرة

المصطفي الهادي البشير محمد

من يرتجي كل الانام مآثرة

صلي عليه الله ما بدر زها

والآل والصحب النجوم الزاهره

اوا ستغاث الحامي احمد قائلا

يا صاح ان رمت الحياة الفاخرة
  قال المقريزي قبر السيدة نفيسة احد المواضع المعروفة باجابة الدعاء بمصر .
السيدة زينب بنت الامام علي رضي الله عنه:
  نسبها: هي السيدة زينب بنت الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم وامها سيدة نساء العالمين ( فاطمة الزهراء ) بنت رسول الله صلي عليه وسلم .
    ولدت رضي الله عنها في شهر شعبان في السنة الخامسة للهجرة وعاشت مع جدها النبي صلي الله عليه وسلم خمس سنوات وهي شقيقة الحسن والحسين عليهما السلام .
   زوجت من ابن عمها ( عبد الله بن جعفر الطيار) ذي الهجرتين وذي الجناحين وكنيته ابو عبد الله وابو المساكين الذي قال فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم اشبهت خلقي وخلقي .
  وكان كان عبد الله رضي الله عنه آيه في الحلم والوجود والكرم، توفي سنة ثمانين من الهجرة بالمدينة وكان اميرها اذ ذاك ( ابان بن عثمان عبد الملك بن مروان ) فحضر غسله وكفنه وما فارقه حتى دفنه بالبقيع وكانت دموعه تسيل علي خديه وهو يقول كنت والله خيرا لا شر فيك وكنت والله شريفا واصلا برا .
اولادهما: رزقت منه عليا وعونا ويدعي بالاكبر وعباسا ومحمدا وام كلثوم .
  مناقبها واخبارها: كانت السيدة زينب رضي الله عنها امرأة عاقلة لبيبة فصيحة وكانت مع اخيها الحسين رضي الله عنه حين قتل بكربلاء، قيل انها لما قتل اخرجت رأسها من الخباء وانشدت رافعة صوتها :
ماذا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ منهم * مَاذَا تقولونَ إنْ قال النبيُّ لكم

أُسَارى ومنهم ضُرِّجُوا بِدَمِ * بعترتي وبأهلي بَعْدَ مفْتَقَدِي

                   ما كان هـذا جزائي إذْ نصحتُ لكم * أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
   وقيل ان هذه الابيات لزينب ابنة عقيل بن ابي طالب كما ورد في كتاب ( الاثير ) وهو الاصح .
  ولما دخلت الكوفه بعد مقتل الحسين وجاءت نساءها يومئذ قياما يندبن ويلطمن متهتكات الجيوب وسمعت علي بن الحسين يقول : أهل الكوفة انكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم، فأومات زينب الي الناس ان اسكتوا فسكتت الانفاس وقامت خطيبة فيهم وقالت : الحمد لله والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرّنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلاّ الصّلف النّطف، والصّر الشّنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أوكفضة على ملحودة: (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ). أتبكون وتنتحبون؟ إي والله! فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل أبداً. وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، وسيّد شباب أهل الجنة، وملاذ خبرتكم ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومُدرة سنّتكم. ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السّعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم؟ ولقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملأ السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة وأنتم لا تنصرون. فلا ستخفنّكم المهل فإنّه لايخفره البدار، ولايخاف قوة الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.
   فما اتمت حديثها حتى صرخ الناس بالبكاء وذهلوا وسقط ما في ايديهم من هول تلك المحنة الدهماء ثم أمر الطاغيه ( ابن زياد ) قائد حزب الشيطان بتجهيز الاسري وترحليهم الي الشام مقر اميره فجهزوا ولما بلغوا الشام اخرجت النساء وادخلن دار   ( يزيد ) وكانت معهن ابنة للأمام الحسين تدعي ( فاطمة ) ولما دخلت السيدة زينب دمشق خيرها ( اليزيد ) بين الاقامة بدمشق علي الرحب السعة وبين التوجه الي حيث تشاء من البلاد فاختارت الرجوع الي المدنيه المنورة فجهزها ومن معها الي المدينة المنورة ثم ان والي المدينة من قبل يزيد وهو ( عمروا بن سعيد الاشدق ) اشتكى من اقامة السيدة زينب بالمدينة فكتب بذلك الي (  يزيد ) واعلمه بأن وجودها بين اهل المدينة  مهيج للخواطر والقلوب لما حصل لآل البيت انها فصيجة عاقلة لبيبة وقد عزمت هي ومن معها علي القيام للأخذ بثأر الحسين .
  فلما وصل الكتاب الي يزيد وعلم بذلك امر بفريقهم في الاقطار والامصار فاختارت السيدة زبنب الاقامة بمصرطلبا لراحتها واختار بعض اهل البيت بلاد الشام وخلافها.
قدومها الي مصر ووفاتها بها
       فعندما ذلك جهزهم ( ابن الاشدق ) فخرجت السيدة زينب هي ومن معها من اهل البيت وفيهم ( سكينة بنت الحسين ) واختها فاطمة ولما بلغ خبر قدومهم والي مصر اذ ذاك وهو ( مسلمة بن مخلد الانصارى ) توجه هو وجماعه من اصحابه وفي صحبتهم جملة من اعيان مصر ووجائها وعلمائها الي لقائها فتلقوها في قرية بين طريق مصر والشام شرقي بلبيس ( المعروفه بقرية العباسية نسبة للعباسة بنت احمد بن طولون ولم يبق بالمدينة من آل البيت الا زين العابدين .
   ووافق دخول السيدة الي مصر ( اول شعبان سنة 61 من الهجرة ) وكان قد مضي علي الموقعه نحو ستة اشهر واياما فانزلها ( مسلمة بن مخلد ) هي م من معها في داره ترويحا للنفس اذ كانت تشكو المرض فاقامت بها 11 شهر ونحو 15 يوما من شعبان سنة 61 الي رجب سنة 62 هجرية .
  وفاتها : ولما ثقل عليها المرض توفيت رضي الله عنها يوم الاحد ليلة الاثنين لاربعة عشر يوما مضت من شهر رجب من السنة المذكورة – وبعد تجهيزها وشهود جنازتها دفنت بمحل سكناها علي العادة في ذلك – اسكنها الله فسيح جناته .
   ثم بعد وفاتها رجع من كان معها من اقاربها الي المدينة وفيهم السيدة سكينة وفاطمة .
   وبعد مرور عام علي وفاتها وفي نفس اليوم الذي توفيت فيه اجتمع اهل مصر قاطبة وفيهم الفقهاء والقراء وغيرهم واقاموا لها موسما عظيما بقصد الذكرى علي ما جرت به العادة ومن ذلك الحين لم ينقطع هذا الموسم الي يزمنا هذا – وهذا الموسم هو المعبر عنه ( بالمولد الزينبي ) الذي يبتدئ من اول رجب من كل سنة وينتهي ليلة النصف منه , وكل ذلك تعظيما واكراما لآل البيت رضي الله عنهم وعلي جدهم افضل الصلاة والسلام .
السيدة زينب المثل الاعلي للحق والعدل
    للسيدة زينب رضي الله عنها مواقف مشهورة بين امراء الظلم تدل علي ميلها وحبها للحق والعدل بينما كانت مواقف الظلمة امثولة تدل علي  العسف والجور والفجور .
   كانت تجاوب القوم بكل ثبات وشجاعة واقدام الامر الذي لم يجرأ عليه الا القليل النادر من الرجال .
   وذلك انه لما احيط بها ( بعد مقتل اخيها الحسين رضي الله عنهما ) وهي في هذا الموقف الرهيب ناداها منادي الحق فهتقت باسمه واجابت نداءه وقالت تخاطب ( يزيد) .
  صدق الله ( يايزيد) (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)[79] أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأساري، أن بنا هوانًا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك ، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحًا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمورمتسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قوله (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَانُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[80].  أمن العدل ياابن الطلقاء تخديرك بناتك واماءك وسوقك بنات رسول الله صلي الله عليه وسلم كالاسارى ؟ قد هتكت ستورهن واصلحت اصواتهن مكتئبات تجرى بهن الاعابر وتحدوبهن الاعادي من بلد الي بلد لا يراقبن ولا يؤون يتشوفهن القريب والبعيد ليس معهن قريب رجالهن وكيف يستبطأ في بغضنا من نظر الينا بالشنق والشنان والاحن والاضغان الي ان قالت :
   واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وستردعلى رسول اللَّه  (وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرةالقدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[81]..
  وستعلم أنت ومن بوَّأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين - إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك، أيُّنا شر مكانًا وأضعف جندًا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلا للَّه، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك مع اني والله استصغر قدرك واستعظم تقريعك غير ان العيون عبرى والصدور حرى وما يجزي ذلك او يغني  وقد قتل اخي الحسين، الا ان حزب الشيطان يقربنا الي حزب السفهاء ليعطوهم اموال الله عونا علي انتهاك محارم الله فهذه الايدي تنظف (تقطر) من دمائنا وهذه الافواه تتسحلب من لحومنا وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الغلوات, فلئن اتخذتنا في هذه الحياة مغنما لتجدننا عليك مغرما حين لا تجد الا ما ما قدمت يداك. ستصرخ يا ابن مرجانه ويستصرخ بك وتتعاوى واتباعك عن الميزان، وقد وجدت افضل زاد تزودت به قتل ذرية محمد صلي الله عليه وسلم فو الله ما اتقيت غير الله وما شكوت الا لله فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا يرحض (لا يغسل) عنك عار ما اتيت الينا ابدا .
   فما ابلغ هذا الكلام وما احسن تاثيره في نفوس الكرام وما اشد وقعه في قلوب الكفره اللئام الذين قتلوا الحسين رضي الله عنه ظلما وعدوانا، جازاهم الله بما يستحقون، وجزي السيدة زينب وآل البيت جمعيا خير الجزاء .
السيدة سكينة رضي الله عنها
    نسبها: هي السيدة سكينة بنت سيدنا الحسين علي بن ابي طالب رضي الله عنهم وامها ( الرباب ) بنت امرئ القيس بن عديبن اوس الكلبي الذي كان نصرانيا وجاء الي عمر بن الخطاب فدعا له برمح وعقد له علي من اسلم بالشام من قضاعه فتولي قبل ان يصلي صلاة وما امس حتى خطب له الحسين بنته الرباب فزوجه اياها فاولدها عبد الله سكينة .
  وكانت الرباب من خيار النساء وافضلهن وخطبت بعد قتل الحسين رضي الله عنه فقالت ما كنت لاتخذ حما (مصاهرة) بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولما قتل الحسين رثته بابيات  في غاية من البراعة.
  مناقبها : وكانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها ومن اجمل النساء وأظرفهن واحسنهن اخلاقا واعلاهن مقاما واوفرهن ذكاءا وعقلا وادبا فاحرزت قصبة السبق في مضمار الادب والتف حولها الشعراء والادباء وكانت عفيفة تجالس العظماء من قريش وتجمع اليها الشعراء وكانت من احسن الناس شعرا وقيل انها كانت تصفف جمتها تصفيفا لم ير احسن منه حتى عرف ذلك عنها وكانت الجمه تسمي( السكينية ) وهي من الحذق علي جانب عظيم فمما يؤثر عنها انها حضرت مأتما فيه بنت عثمان بن عفان فقالت بنت عثمان انا بنت الشهيد فسكتت سكنيه حتى أذن المؤذن وقال : اشهد ان محمد رسول الله فقالت لها سكينة هذا ابي ام ابوك ؟
  فقالت بنت عثمان : لا افخر عليكم ابدأ.
   وكان لها تأثير شديد في جمع أهل عصرها الذين كانوا يحذون حذوها في جميع ما تصنعه حتى انها كانت تخترع الازياء .
  وشهرتها لم تكن قاصره علي الازياء بل انها اكتسبت الشهرة بما كانت عليه من الادب العالي والمعارف الواسعة وحسن المحاضرة حتى اصبح منزلها كعبة لكل قاصد من الفقهاء والشعراء والعلماء ولها نوادر وحكايات ظريفة مع الشعراء وغيرهم .
   وكانت تستقبل الزائرين الذين كانوا يفدون علي منزلها من جميع الانحاء لمحاضرتها او التماس صلاتها اوطلب معونتها .
 وكانت ايضا تزين المجلس بحسن أدبها ووفرة ذكائها والاسئلة العديدة التي كانت تطرحها علي الادباء والشعراء الذين كانوا يحسبون لها حسابا كبيرا لانها كانت نقادة لا تخشي في الحق لومة لائم، اقول ان كل هذا كان من قوة روحها ونور ايمانها وبركة شرفها التي تجرى في دمها .
  أزواجها: تزوجت عبد الله بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه فقتل عنها (بالطف ) قبل ان يدخل بها .
  ثم تزوجها مصعب بن الزبير رضي الله عنهما وامهرها بالف الف درهم وحملها اليه علي بن الحسين رضي الله عنهما فاعطاه اربعين الف دينار وولدت له الرباب وكانت تلبسها اللؤلؤ وتقول ما البستها اياه الا لتفضحه .
  ثم تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فولدت له ( قريبا ).
  ثم تزوجها الاصبغ بن عبد العزيز بن مردان وفارقها قبل الدخول بها ثم تزوجها زيد بن عمروا بن عثمان بن عفان فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل .
   وفاتها : توفيت السيدة سكينة رضي الله عنها بمكة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الاول سنة ست وعشرين ومايه وصلي عليها شيبة بن نصاح المقرى .
  وقيل سنة 117 بالمدينة وهو الرجــح وقيل بمصر وانها مدفــونه (بالمراغه) بقرب السيدة نفيسة رضي الله عنها كما جاء في طبقات الشعراني والمناوى والله اعلم.

اسماء ابنة يزيد الانصارية:
  كانت تدعي برسول النساء الي النبي صلي الله عليه وسلم، روى عنها مسلم ابن عبيد .
  قيل انها اتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: بابي وامي يارسول الله انا وافده النساء اليك، ان الله عز وجل بعثك الي الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبالهك، وانا معشر لنساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم وموضع شهواتكم وحاملات اولادكم وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضي وشهود الجنائز والحج بعد الحج وافضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل وان احدكم اذا خرج حاجا او معتمر اومجاهد حفظنا لكم اموالكم وغزلنا اثوابكم وربينا لكم اولادكم افما نشارككم في هذا الاجر والخير ؟
   فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم الي اصحابه بوجهه كله ثم قال هل سمعتم مسألة امراة قط احسن من مسألتها في امر دينها من هذه ؟
   فقالوا يارسول الله ما ظننا ان امرأة تهتدى الي مثل هذا فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم اليها فقال:
  افهمي ايتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء ان حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله، فانصرفت وهي تهلل حتى وصلت الي نساء قومها من العرب وعرضت عليهن ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم ففرحن وآمن جميعهن .
   فهل يمكن ان ينتفع نساء هذا الزمان بقصة هذه الانصارية ونصيحة النبي صلي الله عليه وسلم ويعملن بها مصدقات مؤمنات بما جاء فيها .
السيدة زبيدة ام الامين:
هي بنت جعفر بن اب جعفر المنصورى العباسي
   في العصر الثاني للهجرة النبوية ولدت بطلة من بطلات الاسلام زادت نور عصرها اشراقا – الا وهي السيدة زبيدة صاحبة الترجمة .
   نشأت زبيدة في مهد الدولة العباسية فكانت مهبط الحب وموطن العناية والتجلة والاعزاز من قلوب بني عباس لا سيما جدها(المنصور) ركن الدولة العباسية وعميدها الاجل فقد كان يؤثرها بقلبه ويختصها بحب فوق ل حب وهو الذي لقبها (بزبيدة) لما رأى من بضاضتها ونضارتها فغلب عليها هذا اللقب وصارت تسمي به دون اسمها الحقيقي وكانت تسمي (ام العزيز) وكنيتها ام جعفر .
   وقد قام جدها بتربيتها فاحست ادبها وعامها لكتابه والقراءه وحفظها الاخبار والسيروالشعر فشبت كلفة بالشعروالادب حتى كانت تزين حوائط قرفتها بالنجف (الستاير) الموشاة بالنظم البديع والبيات الرائعه .
    وكانت ذات ملامح جزابة جمال خاص بنساء عصرها فاشتهرت بالادب والكمال والجمال مع علو النسب حتى صارة يضرب بها المثل فى الأندية العالية والمجامع الراقية .
      تزوجها ابن عمها الرشيد فى عام 165 هجرية وهى فى السابعة عشر من عمرها وما كادة يمضى على زواجها اربعة اعوام حتى ولدت له محمد الامين ثم بعد ذلك بعام أى سنة 170 هجرية تقلدالرشيد زمام الخلافة بعد اخية موسى وهو فى العشرين من عمرة .
    تركت بعد زواجها قصر الخلد وانتقلت الى قصرها الخاص المسمى (دار القرار) وكان يقع عى شاطى نهر الدجلة البديع وكان منقطع النظير فى ذمانة تحيط بة حديقة غناء تجلب الانظار بزهورها واشجارها المثمرة الزاهرة اما داخل القصر فكانة  لا يقل بهاءا عن خارجة اذا كانة مفروشا بزوق خاص و اثاث منتخب وغرف مزدانة كل منها بزينة تغائرما فى الاخرى .
 وكانت جواريها بالقصر من نخبة الجوارى ومن ذوات الجمال والمعرفة  بالقراءة والكتابة وانتشار الشعر وبينهن ماية جارية اشتهرن بحفظ القرآن الكريم وتلاوتة ليل ونهار ولكل واحدة (ورد)عشر القرآن .
وكانت السيدة زبيدة متمسكة بأهداب الدين يعجبها سماع القرآن المبين من جواريها الحافظات له وقد اشتهر امر هؤلاء وطار صيتهن في الاصقاع – فقد جاء في كتب التاريخ التي تحكي سيرتها ان المار بجانب قصرها يسمع اصوات ترتيلهن كطنين النحل عندما تكون علي مقربة من خلاياها .
  وكان لها من قلب الرشيد حمي لا يرام اذ لبثت ربة القول في قلبه وقصره، فكان لا يسعي لامر دون مشورتها ولا يمضي في عمل دون اخذ رأيها وبالاجمال فانه كان مفتونا بنفاد لبها ونبل خلقها وعظمة قلبها، بالرغم من المنافسات من جواريه العديدات .
   كانت الاميرة زبيدة من ذوات البر والاحسان وخيراتها كثيرة تجلعها من امهات المحسنين في الاسلام وكانت صاحبة ثروة لا حصر لها حتى تحدثوا عن مزارعها وضياعها في بلاد العجم فضلا عن البلدان العربية .
   وقد انشأت كثيرا من المدارس والمستشفيات وامرت بتأسيس الملاجئ وحفر الآبار والعيون وكان لها في كل مرافق البر الاثر الجليل .
  حجت مع زوجها الرشيد في العام السادس والثمانين للهجرة وقد اظهرت اثناء حجها من المبرات والحسنات مالا يدع قولا لقائل ولا سبيلا لمفتخر مما اسسته من مساجد ومكاتب وملاجئ ومنازل ومشارب فكل ذلك السنة تنطق بخيرها العميم، وهذا كله لا يقاس بمفخرتها الخالدة وهي (عين زبيدة) التي حفرتها في صحارى الحجاز الجرداء واجرت منها الماء الي مكة المكرمة وقد وفرت العناء واحتمال ضروب المشقات عن مئات الألوف من حجاج بيت الله الحرام الذين كانوا يلاقون مشقه عظيمة في الحصول علي الماء، فالله درها من سيدة عظيمة علي حب الخيرواعمال البر ولم تغتر بملكها .
فاطمة بنت عبد الملك مروان:
   كانت فصيحة زمانها واديبة عصرها ذات جمال رائع وحسن فائق ودين وورع لم يسبق اليه احد من نساء بني أميه .
  تزوجت بعمر بن عبد العزيز الاموي قبل ان يتولي الخلافة فغمرها بامواله واقنعها بنواله وهي لم تكن باقل منه مالا وقد عاشا في مستهل حياتهما عيشة الرفاهية والتنعم ولما آلت الخلافة الي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رأى ان عبأها ثقيل لا يحمله عاتقه ومن جملة ما صنعه انه قال لفاطمة (ان اردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلي وجواهر الي بيت مال المسلمين فانه لهم واني لا اجتمع انا وانت في بيت واحد فردته جمعيه ولم تبق لها منه خلال ابرة وبقيت معه في عيشة التقشف والضيق مع اتساع الخلافة والملك الي ان مات رضي الله عنه .
فلما انتقلت الخلافة الى أخيها (يزيد بن عبد الملك) قال لها ان عمر قد ظلمك وانى راده اليك فخذيه، قالت كلا والله لا آخذه، فما كنت لاطيعه حيا وأعصيه ميتا فأخذه يزيد وفرقه على أهله وبقيت فاطمة فى حالة زهد وعبادة وورع حتى لحقت بزوجها عمر بن عبد العزيز رضى الله عنهما.


[1]  قال ابن منظور (630هـ/711 هـ) في "لسان العرب" "العَقْلُ الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق والجمع عُقولٌ" وقال ابن الأنباري "رَجُل عاقِلٌ وهو الجامع لأَمره"، "وقيل العاقِلُ الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هَواها أُخِذَ من قولهم قد اعْتُقِل لِسانُه إِذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ".
والعَقْلُ التَّثَبُّت في الأُمور والعَقْلُ القَلْبُ والقَلْبُ العَقْلُ وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه وقيل العَقْلُ هو التمييز الذي به يتميز الإِنسان من سائر الحيوان ".
[2] أخرجه أحمد في ((المسند)): 2/161 ) - انظر كتاب حياة الحيوان الكبرى( (2/94  الدميرى.
[3] سورة البقرة » الآية 237.
[4] سورة المائدة الآية 2.
[5] الأمالي الخميسية للشجري رقم الحديث: 1701.
[6] رواه البزاز والطبراني في معجمة.
[7]- أنظر[(فَيْضَ القَدِير)/ج3/ص505]للمُنَاوِيِّ .
[8] انظر حديث رقم: 3289 في صحيح الجامع.
[9] فوائد تمام الرازي رقم الحديث: 1470.
[10] فوائد ابن شجاع ص 31 - عبد الله بن محمد بن شجاع بن المفسر.
[11] رواه ابو نعيم في الحلية، الدر المنثور 3/71.
[12] المعجم الأوسط للطبراني 3352.
[13] رواه ابو نعيم 12208  .
[14] المعجم الأوسط للطبراني رقم الحديث: 8572.
[15] رواه البيهقى 7144.
[16] شعب الإيمان للبيهقي رقم الحديث: 7152.
[17] رواه ابو منصور والديلمي في مسند الفردوس.
[18] قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا رقم الحديث: 36.
[19] رواه الطبرانى فى الصغير رقم الحديث: 1176.
[20] المعجم الصغير الطبرانى رقم الحديث: 911.
[21] رواة ابن ابى الدنيا.
[22] تنزيه الشريعة المرفوعة رقم الحديث: 483 ابن عراق الكناني.
[23] سورة التوبة الآية: 128.
[24] سورة الحج الآية: 65.
[25] رواه ابو يعلي رقم الحديث: 4196 والطبراني رقم الحديث: 40.
[26] مسند أحمد بن حنبل رقم الحديث: 18825.
[27] مكارم الأخلاق للطبراني رقم الحديث: 47.
[28] مكارم الأخلاق للطبراني رقم الحديث: 41.
[29] صحيح البخاري، برقم: (6011)، وصحيح مسلم، برقم: (2586), واللفظ له.
[30] الفوائد الحسان الغرائب رقم الحديث: 41.
[31] أخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(7/439/10893).
[32] سورة النساء الآية:85.
[33] الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: السيوطي - المصدر: اللآلئ المصنوعة - الصفحة أو الرقم: 2/83.
[34] رواه  الطبراني في المكارم.
[35] كتاب المستطرف  الباب الخامس والعشرون/الفصل الثاني ص193-194 -   للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي.
[36] مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا رقم الحديث: 35.
[37] مسند أحمد بن حنبل رقم الحديث: 9498.
[38] أخرجه البخاري كتاب: الأدب، باب: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، (6120).
[39] كتاب المستطرف  الباب السادس والعشرون/ الفصل الأول في الحياء للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي.
[40] سورة آل عمران الآية: 92.
[41] حلية الأولياء لأبي نعيم  5074.
[42] الرسالة القشيرية  رقم الحديث: 58.
[43] سورة سبأ الآية: (39).
[44] من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي.
[45] المستطرف في كل فن مستظرف - الأبشيهي (1/345).
[46] انظر: إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس لمحمد دياب الإتليدي (1/197-200) دار الكتب العلمية.
[47] الكتاب : ثمرات الأوراق (1/176) (1/177) / المؤلف : ابن حجة الحموي.
[48] المستطرف في كل فن مستظرف (1/356) – الأبشيهي.
[49] الكتاب : ثمرات الأوراق. (1/178) المؤلف : ابن حجة الحموي.
[50] الكتاب : التذكرة الحمدونية (1/230) المؤلف : ابن حمدون.
[51] سورة الحجر الآية :85.
[52] سورة الأعراف الآية:199.
[53] سورة آل عمران الآية:134.
[54] سورة الشورى الآية : 43.
[55] سورة الشورى الآية: 40.
[56] صحيح البخاري رقم الحديث: 5678.
[57] سنن الترمذي رقم 2021.
[58] مسند أحمد - (ج 42 / ص 424)25633.
[59] سورة آل عمران الآية: 103.
[60] سورة الشعراء الآية: 100-101.
[61] سورة الشعراء الآية: 216.
[62] سورة النساء الآية: 3.
[63] سورة النــور الآية : 32.
[64] سورة البقرة الآية :235.
[65] رواه البخاري ومسلم.
[66] سنن ابن ماجه
[67] روى أبو داود (2050).
[68] رواه ابن حبان من حديث ابن عباس.
[69] المعجم الأوسط للطبراني466  .
[70] "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، فهو ليس بحديث بهذه الصيغة المشهورة على الألسن، فهو مركب من حديثين، أحدهما حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم" أخرجه ابن ماجة (1968) والحاكم (2/176،177) وصححه، وضعَّفه غيره، والشطر الثاني ما جاء في حديث آخر، وفيه: "وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس" أخرجه ابن عدي (6/178)، والقضاعي (638).
[71] رواه الخطيب في تلخيص المتشابه (2/509) والقضاعي في مسند الشهاب (2/96) والرامهرمزي في أمثال الحديث (1/120).
[72] «غذاء الألباب» (2/447).
[73] المستطرف في كل فن مستظرف(ص: 463)..
[74] نهج البلاغة - خطب الامام علي ج 3 ص 56.
[75] حياة الحيوان الكبرى (1/248)المؤلف : الدميري.
[76] هي رابعة بنت إسماعيل العدوية مولاة آل عتيك ، البصرية العابدة المشهورة . ذكرها القشيري في " الرسالة " وأبو نعيم في " الحلية " ،  ص: 633وابن الجوزي في " صفة الصفوة " ، والشيخ شهاب الدين السهروردي في " المعارف " وأثنى عليها أكثر الناس ، وتكلم فيها أبو دواد السجستاني ، واتهمها بالزندقة ، فلعله بلغه عنها أمر . وأنشد لها السهروردي في " المعارف البداية والنهاية ص: 633  إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي.
[77] الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١٤ – الصفحة37  .
[78]انظر  (كتاب بحر الأنساب ( المشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف) للعلامة السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين الحسينى النجفى ( تحقيق الأستاذ السيد حسين محم الرفاعى من علماء الأزهر الشريف يقول ص 11 : سيدى حسن الأنور والد السيدة نفيسة هو مدفون بمصر قدم إلى مصر ومعه ابنته نفيسة وكان إماما عظيما وعالما من كبار أهل البيت معدودا من التابعين وكان قد ولى المدينة من قبل أبى عبد الله أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى ( قال ) الشعرانى فى ( المنن ) أخبرنى شيخى الخواص أن الحسن الانور والد السيدة نفيسة فى التربة المشهورة قريبا من جامع القراء بين مجراة القلعة وجامع عمرو وقد وجد حجر عتيق مرقوم عليه نسب سيدنا زيد ومن شك فى ذلك فليذهب الى هناك وليعلم ذلك بالمعاينة * هاكذا قال ( الشيخ الشبلنجى ) وقال الشيخ ( الصبان ) أن السيد حسن الانور نقلا عن طبقات المناوى عن الذهبى أنه كان من أعيان العلويين وأشرفهم ثم نقل عبارة الشعرانى فى المنن).
[79] سورة الروم الآية:10.
[80] سورة آلعمران الآية: 178.
[81] سورة آل عمران الآية: 169.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق